للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو للفصل مع أن التأنيث ليس بحقيقي. عن ابن عباس أن الآية نزلت في أبي جهل وأضرابه من كبار قريش. وقيل: رؤساء اليهود وعلمائهم. وعن مقاتل: نزلت في المنافقين. ولا مانع من نزولها في جميعهم لأن كلهم وهم في التنعم والراحة كانوا يسخرون من فقراء المؤمنين والمهاجرين. ثم المزين من هو؟ فعن المعتزلة أنهم غواة الجن والإنس قبحوا أمر الآخرة في أعين الكفار وأوهموا أن لا صحة لها فلا تنغصوا عيشكم في الدنيا كقول من قال:

أتترك لذة الصهباء نقدا ... بما وعدوك من لبن وخمر؟

قالوا: وأما الذي يقوله المجبرة من أنه تعالى زين ذلك فباطل. لأن المزين للشيء هو المخبر عن حسنه، وإذا كان المزين هو الله تعالى فلا بد أن يكون صادقا في ذلك الإخبار، فيكون فاعله المستحسن له مصيبا. وإن كان كافرا وإصابة الكافر كفر فهذا القول كفر، وزيف بأن مزين الكفر لجميع الكفار لا بد أن يكون خارجا منهم. وقولهم: «المزين للشيء هو المخبر عن حسنه» مردود، وإنما المزين من يجعل الشيء موصوفا بالأوصاف الحسنة. سلمنا ذلك لكن لم لا يجوز أن الله تعالى يكون مخبرا عن حسنه من حيث إنه أخبر عما فيها من اللذات والراحات؟ وهذا إخبار عما ليس بكذب والتصديق به ليس بكفر. وقال أبو مسلم: الكفار زينوا لأنفسهم والعرب تقول: «أين يذهب بك» لا يريدون أن ذاهبا ذهب به ومنه قوله تعالى أَنَّى يُؤْفَكُونَ [المائدة: ٧٥] أَنَّى يُصْرَفُونَ [غافر:

٦٩] . ولما كان الشيطان لا يملك أن يحمل الإنسان على الفعل قهرا فالإنسان بالحقيقة هو الذي زين لنفسه. والتحقيق أن المزين هو الله تعالى كما صرح بذلك في قوله إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [الكهف: ٧] وكيف لا وانتهاء جميع الحوادث إليه أظهر في الدنيا من الزهرة والنضارة والطيب والحلاوة، وركب في الطبائع حب الشهوات والميل إلى الطيبات، لا على سبيل الإلجاء الذي لا يمكن تركه، بل مع إمكان رد النفس عنها ليجاهد المؤمن هواه فيقصر نفسه على المباح ويكفها عن الحرام ويتم غرض الابتلاء. أو نقول: المراد من التزيين أنه تعالى أمهلهم في الدنيا ولم يمنعهم عن الإقبال عليها والحرص الشديد في طلبها.

وقيل: إن الله تعالى زين من الحياة الدنيا ما كان من المباحات دون المحظورات وهو ضعيف، لأن الله تعالى خص بهذا التزيين الكفار وتزيين المباحات لا يختص بالكفار. وإن قيل: المراد من تزيين المباح للكافر أنه دائم السرور به.

وإن قلت: ذات يده لكونه معقود الهمة به لا عيش عنده إلا عيش الدنيا، بخلاف

<<  <  ج: ص:  >  >>