للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأجيب بأن الوعد والوعيد منهم قبل بيان الشرع ممكن فيما يتصل بالعقليات من المعرفة بالله وترك الظلم وغيرهما، وبأن المكلف إنما يتحمل النظر في دلالة المعجز على الصدق.

وفي الفرق بين العجز والسحر إذا خاف أنه لو لم ينظر فربما ترك الحق فيصير مستحقا للعقاب والخوف إنما يقوى عند التبشير والإنذار فلهذا قدم ذكرهما على إنزال الكتاب.

قلت: فيه فائدة أخرى لفظية هي أن لا يقع فاصلة كثيرة بين الثالثة وبين الأولين، أو بين الثالثة وبين ما رتب عليها من قوله لِيَحْكُمَ أي الكتاب لأنه أقرب. ولا محذور في نسبة الحكم إليه تجوزا كما لا محذور في كونه هدى وشفاء. واللام للجنس، أو أريد مع كل واحد كتابه. وقيل: ليحكم الله لأنه الحاكم في الحقيقة لا الكتاب. وقيل: ليحكم النبي المنزل عليه بين الناس فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ أي في الحق ودين الإسلام الذي اختلفوا فيه بعد الاتفاق، أو في كل ما اختلفوا فيه ولم يعرفوا وجه الصواب في ذلك بحسب حكم الله وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ في الحق إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ أي أعطوا الحق وأدّوه لمباشرة أسبابه القريبة التي هي مجيء البينات. وقيل: الضمير للكتاب أي إلا الذين أوتوا الكتاب المنزل لإزالة الاختلاف، كأنهم عارضوا الكتاب بنقيض ما أنزل لأجله، أنزل لئلا يختلفوا فزادوا في الاختلاف. وفيه دليل على أن الاختلاف في الحق لم يوجد إلا بعد بعثة الأنبياء، وإنزال الكتب كما مر في القول الأول. وقال كثير من المفسرين: المراد بالذين أوتوا الكتاب اليهود والنصارى. واختلافهم إما تكفير بعضهم بعضا، وإما تحريفهم أو تبديلهم مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ يحتمل أن يكون كالبيان لإيتاء الكتاب أي وما اختلف فيه من اختلف إلا من بعد مجيء البينات التي هي الكتب كقوله تعالى وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ [البينة: ٤] ويحتمل أن تكون هذه البينات مغايرة لإيتاء الكتاب ويعني بها الدلائل العقلية التي نصبها الله تعالى إثبات الأصول التي لا يمكن إثباتها بالدلائل السمعية، وإذا حصلت الدلائل العقلية والسمعية لم يكن في العدول عذر ولا علة، ولو حصل الإعراض كان سببه بغيا بينهم وحسدا وظلما لحرصهم على الدنيا ولقلة الإنصاف وكثرة الاعتساف، ومِنَ الْحَقِّ بيان لما اختلفوا فيه أي فهدى الله الذين آمنوا للحق الذي اختلف فيه من اختلف. واللام بمعنى «إلى» أي هداهم إلى ما اختلفوا فيه كقوله تعالى ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا [المجادلة: ٣] أي إلى ما قالوه بِإِذْنِهِ قال الزجاج: بعلمه. وقيل: بأمره فبالأمر يحصل التمييز بين الحق والباطل فتحصل الهداية. وقيل: في الآية إضمار أي فهداهم فاهتدوا بإذنه إذ لا جائز أن يأذن لنفسه وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ هو الحق الموصل إلى كمال الدارين، أو هو طلب الجنة. ولما كان ذلك الحق أو الطلب لا

<<  <  ج: ص:  >  >>