للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشهر الحرام، والمسجد الحرام، فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم هل يحل لهم القتال في هذا الزمان وهذا المكان أم لا؟ ويؤيده ما

روي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عبد الله بن جحش- وهو ابن عمة النبي صلى الله عليه وسلم- في جمادى الآخرة قبل قتال بدر بشهرين، على رأس سبعة عشر شهرا من مقدمة المدينة، وبعث معه ثمانية رهط من المهاجرين: سعد بن أبي وقاص الزهري، وعكاشة بن محصن الأسدي، وعتبة بن غزوان السلمي، وأبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة، وسهيل بن بيضاء، وعامر بن ربيعة، وواقد بن عبد الله، وخالد بن بكير. وكتب لأميرهم عبد الله بن جحش كتابا وقال: سر على اسم الله ولا تنظر في الكتاب حتى تسير يومين. فإذا نزلت منزلتين فافتح الكتاب واقرأه على أصحابك ثم امض لما أمرتك، ولا تستكرهن أحدا من أصحابك على السير معك. فسار عبد الله يومين ثم نزل وفتح الكتاب فإذا فيه «بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد، فسر على بركة الله بمن تبعك من أصحابك حتى تنزل على بطن نخلة فترصد بها عير قريش، لعلك أن تأتينا منه بخبر» فلما نظر عبد الله في الكتاب قال: سمع وطاعة. ثم قال لأصحابه ذلك وقال: إنه قد نهاني أن أستكره أحدا منكم. حتى إذا كان بمعدن فوق الفرع قد أضل سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان بعيرا لهما كانا يعتقبانه فاستأذنا أن يتخلفا في طلب بعيرهما فأذن لهما فتخلفا في طلبه.

ومضى عبد الله ببقية أصحابه حتى نزلوا بطن نخلة- بين مكة والطائف- فبينما هم كذلك مرت بهم عير لقريش تحمل زبيبا وأدما وتجارة من تجارة الطائف، فيهم عمرو بن الحضرمي والحكم بن كيسان وعثمان بن عبد الله بن المغيرة ونوفل بن عبد الله المخزوميان.

فلما رأوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هابوهم فقال عبد الله بن جحش: إن القوم قد ذعروا منكم فاحلقوا رأس رجل منك فليتعرض لهم، فإذا رأوه محلوقا أمنوا وقالوا: قوم عمار. فحلقوا رأس عكاشة ثم أشرف عليهم فقالوا: قوم عمار لا بأس عليكم فأمنوهم. وكان ذلك في آخر يوم من جمادى الآخرة، وكانوا يرون أنه من جمادى وهي رجب. فتشاور القوم فيهم وقالوا: لئن تركتموهم هذه الليلة ليدخلن الحرم فليمتنعن منكم. فأجمعوا أمرهم في مواقعة القوم، فرمى واقد بن عبد الله السهمي عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله فكان أول قتيل من المشركين. واستأسر الحكم وعثمان فكان أول أسيرين في الإسلام، وأفلت نوفل فأعجزهم. واستاق المؤمنون العير والأسيرين حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة.

فقالت قريش: قد استحل محمد الشهر الحرام شهرا يأمن فيه الخائف ويذعر فيه الناس لمعايشهم. سفك فيه الدماء وأخذ فيه الحرائب وعيّر بذلك أهل مكة من كان فيها من المسلمين. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن جحش وأصحابه: ما أمرتكم بالقتال في الشهر

<<  <  ج: ص:  >  >>