للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبو حنيفة: المطبوخ من عصير العنب إن ذهب أقل من ثلثيه فهو حرام لكن لا حد على شاربه إلا إذا سكر، وإن ذهب ثلثاه فهو حلال إلا القدر المسكر فيحرم ويتعلق بشربه الحد.

يروى أن عمر بن الخطاب كتب إلى بعض عماله «أما بعد فاطبخوا شرابكم حتى يذهب منه نصيب الشيطان فإن له اثنين ولكن واحدا» . ونقيع التمر والزبيب إذا اشتد فهو حرام ولكن لا حد فيه ما لم يسكر، فإن طبخ فهو حلال إلا المقدار الذي يسكر فإن ذلك حرام ويحد به، ولا يعتبر في النقيع ذهاب الثلثين. ونبيذ الحنطة والشعير والعسل وغيرها حلال نيئا كان أو مطبوخا، ولا يحرم منه إلا القدر المسكر. وذكروا في حد السكران عبارات فعن الشافعي:

أنه الذي اختلط كلامه المنظوم وانكشف سره المكتوم. وقيل: الذي لا يفرق بين السماء والأرض وقيل: الذي يتمايل في مشيه ويهذي في كلامه. والأقرب أن الرجوع فيه إلى العادة. ثم إن قوله تعالى يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ليس فيه بيان أنهم عن أي شيء سألوا، فيحتمل أنهم سألوا عن حقيقته وماهيته، ويحتمل أنهم سألوا عن حل الانتفاع وحرمته، ويحتمل أنهم سألوا عن حل شربه وحرمته إلا أنه تعالى لما أجاب بذكر الحرمة بل تخصيص الجواب على أن ذلك السؤال كان واقعا عن الحل والحرمة أي يسألونك عما في تعاطيهما. وأما كيفية دلالة الآية على الحرمة فهي أنها مشتملة على أن في الخمر إثما والإثم حرام لقوله تعالى قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ [الأعراف: ٣٣] ومما يؤكد هذا أن السؤال كان واقعا عن مطلق الخمر وقد جعل الله تعالى الإثم لازما لهذه الماهية فيلزمها الإثم على جميع التقادير من الشرب وغير ذلك من وجوه الانتفاع والاستعمال. وصرح أيضا بأن الإثم الحاصل منها أكبر من النفع المتوهم فيها عاجلا، وإنما لم يقنع كبار الصحابة بهذه الآية طلبا لما هو آكد في التحريم ثقة واطمئنانا كما التمس إبراهيم عليه السلام مشاهدة إحياء الموتى طلبا لمزيد الإيقان وركونا إلى سكون النفس بالعيان. فإن قيل: لما كان الإثم لازما لماهية الخمر من حيث هي، فلم لم تكن محرمة في سائر الشرائع؟ قلت: كم من نقص في الأديان السالفة تممه شرع خاتم النبيين! وأيضا هذا لزوم شرعي، ويمكن أن تختلف الشرائع بحسب اختلاف الأزمان ولا سيما إذا اعتبرت مصالح الإنسان. والميسر القمار مصدر من يسر كالموعد والمرجع من فعليهما. يقال: يسرته أي قمرته مشتق من اليسار لأنه يسلب يساره. عن ابن عباس: كان الرجل في الجاهلية يخاطر على أهله وماله. أو من اليسر لأنه أخذ مال الرجل بيسر وسهولة من غير ما كدّ وتعب. وقال ابن قتيبة: الميسر من التجزئة والاقتسام يقال: يسروا الشيء إذا اقتسموه. فالجزور نفسه يسمى ميسرا لأنه يجزأ أجزاء والياسر الجازر. ثم يقال

<<  <  ج: ص:  >  >>