للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالى في موضع: وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي [الكهف: ٣٦] وفي موضع آخر وَلَئِنْ رُجِعْتُ [فصلت: ٥٠] فكأنه يردها من التربص إلى خلافه، ومن الحرمة إلى الحل في ذلك أي في مدة التربص، لأنه إذا انقضى ذلك الوقت بطل حق الرد والرجعة. وإنما تكون البعولة أحق عند الله تعالى برجعتهن إن أرادوا إصلاحا لما بينهم وبينهن وإحسانا إليهن لا الضرار وتطويل العدة كما في قوله وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا فلو راجعها لقصد المضارة استوجب من الله العقاب، وإن صحت رجعته شرعا لأنا نحكم بالظاهر والله يتولى السرائر. فإن قيل: كيف جعلوه أحق بالرجعة كأن للنساء حقا فيها؟ فالجواب أن الرجل إن أراد الرجعة وأبتها المرأة وجب إيثار قوله على قولها فهذا هو المعنى بالأحقية أو نقول:

إنهن إن كتمن ما في أرحامهن لأجل أن يتزوّج بهن آخر، فإذا فعلن ذلك كان الزوج الأول أحق بردهن، وإن ثبت للزوج الثاني حق في الظاهر ولهن من الحق على الرجال مثل الذي للرجال عليهن بالمعروف بالوجه الذي لا ينكر في الشرع وعادات الناس فلا يكلفنهم ما ليس لهن ولا يكلفونهن ما ليس لهم. والمراد بالمماثلة مماثلة الواجب في كونهما من الحسنة لا في جنس الفعل. فإذا غسلت ثيابه أو خبزت لا يجب عليه أن يفعل نحو ذلك ولكن يقابله بما يليق بالرجال.

قال أبو هريرة: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أي النساء خير؟ قال:

«التي تسره إذا نظر وتطيعه إذا أمر ولا تخونه في نفسها وماله بما يكره»

وفي حديث حجة الوداع «ألا إن لكم على نسائكم حقا ولنسائكم عليكم حقا فحقكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم من تكرهون ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن» «١»

وعن ابن عباس أنه قال: إني لأتزين لامرأتي كما تتزين لي لقوله تعالى وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَ

وقيل: معنى الآية ولهن على الزوج من إرادة الإصلاح عند المراجعة مثل ما عليهن من ترك الكتمان. وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ زيادة في الحق وفضيلة وهي واحدة الدرجات الطبقات من المراتب. أصلها من درج الرجل.

والضب يدرج دروجا أي مشى ودرج أي مضى لسبيله. ودرج القوم إذا انقرضوا. وفي المثل «أكذب من دبّ ودرج» أي أكذب الأحياء والأموات. وقد فضل الله الرجال على النساء في أمور: في العقل وفي الدية وفي الميراث وفي نصيبه من المغنم، وفي صلاحية الإمامة والقضاء والشهادة، وفي أن له أن يتزوج عليها ويتسرى وليس لها ذلك، وفي أن له أن


(١) رواه مسلم في كتاب الحج حديث ١٤٧. أبو داود في كتاب المناسك باب ٥٦. الترمذي في كتاب تفسير سورة ٩ باب ٢. ابن ماجه في كتاب النكاح باب ٣. الدارمي في كتاب النكاح باب ٣٤. أحمد في مسنده (٥/ ٧٣) .

<<  <  ج: ص:  >  >>