وقيل: بمعنى «حتى» والكل تعسف. ثم إنه تعالى لما بيّن أنها لا مهر لها قبل المسيس والتسمية، ذكر أن لها المتعة فقال: وَمَتِّعُوهُنَّ فذهب الشافعي وأبو حنيفة إلى أنها واجبة نظرا إلى الأمر، وأنه للوجوب ظاهرا وهو قول شريح والشعبي والزهري. وعن مالك:
ويروى عن الفقهاء السبعة من أهل المدينة أنهم كانوا لا يرونها واجبة لأنه تعالى قال في آخر الآية: حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ فجعلها من باب الإحسان. ورد بأن لفظ «على» منبىء عن الوجوب. وكذا قوله حَقًّا وأصل المتعة والمتاع ما ينتفع به انتفاعا منقضيا ولهذا قيل:
الدنيا متاع. ويسمى التلذذ تمتعا لانقطاعه بسرعة. عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ أوسع الرجل إذا كان في سعة من ماله، وأقتر ضده من القترة وهي الغبار، فكأنه التصق بالأرض لضيق ذات يده. وقدره أي قدرا مكانه وطاقته فحذف المضاف، أو قدره مقداره الذي يطيقه لأن ما يطيقه هو الذي يختص به. والقدر والقدر لغتان في جميع معانيهما، وفي الآية دليل على أن تقدير المتعة مفوض إلى الاجتهاد كالنفقة التي أوجبها الله تعالى للزوجات وبيّن أن الموسع يخالف المقتر. قال الشافعي: المستحب على الموسع خادم، وعلى المتوسط ثلاثون درهما، وعلى المقتر مقنعة. وعن ابن عباس أنه قال: أكثر المتعة خادم، وأقلها مقنعة، وأي قدر أدى جاز في جانبي الكثرة والقلة، والنظر في اليسار والإعسار إلى العادة. وقال أبو حنيفة: المتعة لا تزاد على نصف مهر المثل، لأن حال المرأة التي سمي لها المهر أحسن من حال التي لم يسم لها. ثم لما لم يجب زيادة على نصف المسمى إذا طلقها قبل الدخول فهذه أولى. مَتاعاً تأكيد لمتعوهن أي تمتيعا بالمعروف بالوجه الذي يحسن في الدين والمروءة، وعلى قدر حال الزوج في الغنى والفقر، وعلى ما يليق بالزوجة بحسب الشرف والوضاعة حق ذلك حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ لأنهم الذين ينتفعون بهذا البيان، أو من أراد أن يكون محسنا فهذا شأنه وطريقته، أو على المحسنين إلى أنفسهم في المسارعة إلى طاعة الله تعالى.
الحكم السادس عشر: حكم المطلقة قبل الدخول وبعد فرض المهر وذلك قوله سبحانه وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ الآية. واعلم أن مذهب الشافعي أن الخلوة لا تقرر المهر. وقال أبو حنيفة: الخلوة الصحيحة تقرر المهر وهي أن لا يكون هناك مانع حسي أو شرعي. فالحسي نحو الرتق والقرن والمرض أو يكون معهما ثالث وإن كان نائما. والشرعي كالحيض والنفاس وصوم الفرض وصلاة الفرض والإحرام المطلق فرضا كان أو نفلا. وقوله وَقَدْ فَرَضْتُمْ في موضع الحال. ومعنى قوله فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ فعليكم نصف ذلك، أو فنصف ما فرضتم ساقط أو ثابت إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أي المطلقات