ثلاثا كل ذلك يقول: لا. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما هي أربعة أشهر وعشر، وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي بالبعرة على رأس الحول.
قال حميد: فقلت لزينب: وما ترمي بالبعرة على رأس الحول؟ فقالت: كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها دخلت حفشا أي بيتا صغيرا، ولبست شر ثيابها، ولم تمس طيبا حتى يمر بها سنة، ثم تؤتى بدابة حمار أو شاة أو طائر فتقتض به. قال مالك: أي تمسح به جلدها فقلما تقتض بشيء إلا مات، ثم تخرج فتعطى بعرة فترمي بها ثم تراجع بعد بما شاءت من طيب أو غيره، فلا جناح عليكم يا أولياء الميت فيما فعلن في أنفسهن من التزين والإقدام على النكاح. ومن قطع نفقتهن إذا خرجن قبل انقضاء الحول ومن ترك منعهن من الخروج لأن مقامها حولا في بيت زوجها ليس بواجب عليها. وإنما قال هاهنا مِنْ مَعْرُوفٍ منكرا لأن المراد بوجه من الوجوه التي لهن أن يأتينه. وأما في الآية السابقة فإنه أراد بالوجه المعروف من الشرع. ويمكن أن يقال:
إن تلك الآية متأخرة في النزول عن هذه بإجماع المفسرين فلهذا نكر أولا، ثم عرف لأن النكرة إذا تكررت صارت معرفة قال سبحانه: كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولًا فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ [المزمل: ١٦] .
الحكم التاسع عشر: وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ عم المطلقات بإيجاب المتعة لهن بعد ما أوجبها لواحدة منهن وهي المذكورة في الحكم الخامس عشر. وروي أنها لما نزلت وَمَتِّعُوهُنَّ إلى قوله مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ قال رجل من المسلمين:
إن أحسنت فعلت فإن لم أرد ذلك لم أفعل فنزلت هذه الآية أي حقا على من كان متقيا عن الكفر والمعاصي واعلم أن المطلقات قسمان: مطلقة قبل الدخول فلها المتعة إن لم يفرض لها مهر كما مر في الحكم الخامس عشر، وإن فرض لها مهر فلا متعة لها وحسبها نصف المهر لأنه تعالى اقتصر على ذلك ولم يذكر المتعة فهي مستثناة من عموم هذه الآية. ومطلقة بعد الدخول سواء فرض لها أم لم يفرض. واختلفوا في استحقاقها المتعة.
فالقديم من قول الشافعي وبه قال أبو حنيفة، لا متعة لها لأنها تستحق المهر كالمطلقة بعد الفرض وقبل الدخول. وفي الجديد لها المتعة وهو قول علي وابنه الحسن وابن عمر لعموم الآية، ولقوله تعالى فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ [الأحزاب: ٢٨] وكان ذلك في حق نساء دخل بهن النبي. وليست كالمطلقة المذكورة لأنها استحقت الصداق لا بمقابلة عوض، وهذه استحقت الصداق في مقابلة استباحة البضع فيجب لها المتعة للإيحاش. وعن سعيد بن جبير وأبي العالية والزهري أنها واجبة لكل مطلقة تمسكا بظاهر عموم الآية.
وقيل: المراد بهذا المتعة النفقة في العدة بدليل مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ والله أعلم.