لأنها المنتفع بها في دفع الأعداء لا الطول والجمال. الوجه الثالث: وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ فالملك له والعبيد له والمالك إذا تصرف في ملك نفسه فلا اعتراض لأحد عليه.
الوجه الرابع: وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ فإذا فوض الملك إليه فإن علم أن الملك لا يتمشى إلا بالمال فتح عليه باب الرزق ويوسع عليه.
قوله عز من قائل وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ الآية. اعلم أن ظاهر قوله تعالى إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً يدل على أنهم كانوا معترفين بنبوة ذلك النبي صلى الله عليه وسلم. ثم إنه لما قال: إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً كان هذا دليلا قاطعا على أنه ملك، لكنه تعالى لكمال رأفته بالمكلفين ضم إلى ذلك الدليل دليلا آخر دل على صدق النبي، وإكثار الدلائل من الله تعالى جائز. ولهذا كثرت معجزات محمد صلى الله عليه وسلم ومعجزات موسى وعيسى عليهما السلام. ثم إن مجيء التابوت لا بد أن يقع على وجه يكون خارقا للعادة حتى يصح أن يكون معجزة وآية من عند الله دالة على صدق تلك الدعوى. فقيل: إن الله تعالى أنزل على آدم تابوتا فيه صور الأنبياء من أولاده فتوارثوه إلى أن وصل إلى يعقوب، ثم بقي في أيدي بني إسرائيل فكانوا إذا اختلفوا في شيء تكلم وحكم بينهم، وإذا حضروا القتال قدموه بين أيديهم يستفتحون به على عدوهم، وكانت الملائكة تحمله فوق العسكر وهم يقاتلون العدو فإذا سمعوا من التابوت صيحة استيقنوا النصر، فلما عصوا وفسدوا سلط الله عليهم العمالقة فغلبوهم على التابوت وسلبوه، فلما سألوا نبيهم البينة على ملك طالوت قال ذلك النبي: إن آية ملكه أنكم تجدون التابوت في داره. وكان الكفار الذين سلبوا التابوت قد جعلوه في موضع البول والغائط، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم عليهم في ذلك الوقت فسلط الله على أولئك الكفار البلاء حتى إن كل من بال عنده أو تغوط ابتلاه الله بالبواسير، فعلم الكفار أن ذلك لأجل استخفافهم بالتابوت فأخرجوه ووضعوه على ثورين، فأقبل الثوران يسيران ووكل الله بهما أربعة من الملائكة يسوقونهما حتى أتوا منزل طالوت. فعلى هذا إتيان التابوت مجاز لأنه أتى به ولم يأت هو بنفسه. وقيل:
إنه صندوق من خشب كان موسى يضع التوراة فيه وكانوا يعرفونه، ثم إن الله تعالى رفعه بعد ما قبض موسى عليه السلام لسخطه على بني إسرائيل. ثم قال نبي ذلك القوم: إن آية ملك طالوت أن يأتيكم التابوت من السماء، فنزل من السماء والملائكة كانوا يحفظونه والقوم ينظرون حتى نزل عند طالوت وهذا قول ابن عباس. وعلى هذا الإتيان حقيقة، وأضيف الحمل إلى الملائكة في القولين جميعا لأن من حفظ شيئا في الطريق جاز أن يوصف بأنه حمل ذلك الشيء. أما شكل التابوت فقيل: كان من خشب الشمشار مموها