والإيمان والذين يزعمون نصلي ونصوم ونحج ونزكي لله وفي الله باللسان دون صدق الجنان، وسيظهر ما كان لله وما كان للهوى في كفتي الميزان فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تبين الأبطال من البطال ف تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وأن أهل الحق أعز من العنقاء وأعوز من الكيمياء.
تعيرنا أنا قليل عديدنا ... فقلت لها إن الكرام قليل
تعيرنا أنا قليل وجارنا ... عزيز وجار الأكثرين ذليل
وإنما لم ينل المدعون مقصودهم لأنه لم تخلص لله قصودهم ولو أنهم قالوا: وَما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وقد أمرنا ربنا وأوجب القتال علينا وأنه سيدنا ومولانا فلعل الله صدق دعواهم وأعطى مناهم وأكرم مثواهم كما قال قوم من السعداء في أثناء البكاء والصعداء وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَما جاءَنا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنا رَبُّنا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ [المائدة: ٨٤] فلا جرم أثابهم الله بما قالوا جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء المحسنين. إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً فيه إشارة إلى أن الحكم الإلهية حلت وتجلت في جلباب تعاليها عن إدراك العقول البشرية كنه معنى من معانيها، ولهذا. قالوا: أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا وليس هذا بأعجب من قول المقرّبين المؤيدين بالأنوار القدسية أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها [البقرة: ٣٠] استحقارا لشأن آدم واحتجابا بحجب الأنانية والنحنية، فلما تكبر بنو إسرائيل وقالوا: نَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ وضعهم الله وحرموا الملك، ولما تواضع طالوت لله وقال: كيف أستحق الملك وسبطي أدنى أسباط بني إسرائيل وبيتي أدنى بيوت بني إسرائيل، رفعه الله وأعطاه الملك. ولما تفوقت الملائكة وترفعوا بقولهم وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ [البقرة: ٣٠] أمرهم بالسجود لآدم، ولما عرضت الخلافة على آدم فتواضع لله وقال: ما للتراب ورب الأرباب أكرمه الله تعالى بسجود الملائكة وحمل أعباء الأمانة إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فيه إشارة إلى أن آية خلافة العبد أن يظفر بتابوت قلب فِيهِ سَكِينَةٌ من ربه وهي الطمأنينة بالإيمان والأنس مع الله أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد: ٢٨] بَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى هو عصا الذكر كلمة لا إله إلا الله وهي الثعبان الذي إذا فغر فاه تلقف عظيم سحر سحرة صفات فرعون النفس.
وإن تابوتهم الذي فيه سكينتهم كان يتداوله أيدي الحدثان، وتابوت قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن، وإن كان في تابوتهم بعض التوراة ففي تابوت قلب المؤمن جميع القرآن، وإن كان في تابوتهم صور الأنبياء ففي تابوت المؤمن رب الأرض والسماء كما
قال:«لا يسعني أرضي ولا سمائي ولكن يسعني قلب عبدي المؤمن»