يأخذه نعاس، فضلا أن يأخذه نوم أو نقول: نفى الأخص أولا، ثم نفى الأعم ليفيد المبالغة من حيث لزوم نفي النوم أولا ضمنا ثم ثانيا صريحا. ولو اقتصر على نفي الأخص لم يلزم منه نفي الأعم. والمعنى أنه لا يفتر عن تدبير الخلق لأن القيم بأمر الطفل لو غفل عنه ساعة اختل أمر الطفل، وهو كما يقال لمن ضيع وأهمل: إنك لو سنان نائم. ومما يدل على أن السهو والغفلة والنوم على الله محال هو أن هذه الأشياء إما أن تكون عبارات عن عدم العلم، أو عن أضداد العلم. وعلى التقديرين فجواز طريانها يوجب جواز زوال علم الله تعالى، فلا يكون العلم مقتضى ذاته فيفتقر إلى فاعل: فواجب الوجود لذاته لا يكون واجبا بجميع صفاته، فلا يكون حيّا ولا قيوما وهذا خلف.
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن موسى عليه السلام سأل الملائكة: هل ينام ربنا؟ فأوحى الله إليهم أن يوقظوه ثلاثا ولا يتركوه ينام، ثم أعطاه قارورتين مملؤتين ماء في كل يد واحدة، وأمره بالاحتفاظ. فكان يتحرز بجهده إلى أن نام في آخر الأمر فضرب إحداهما على الأخرى فانكسرتا.
وكان ذلك مثلا في بيان أنه لو كان ينام لم يقدر على حفظ السموات والأرضين. وهذه الرواية، إن صحت، وجب أن ينسب هذا السؤال إلى جهال قوم موسى كطلب الرؤية، وإلا فكيف يجوز على نبيّ الله تجويز النوم على «الحي القيوم» والتجويز شك، والشك في مثله كفر. ثم لما بيّن كونه «قيوما» وأكده بما أكد، رتّب عليه حكما وهو قوله لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لأن كل ما سواه فإنما تقوّمت ماهيته وتحصّل وجوده به، فيكون ملكا له، ويلزم منه أن يكون حكمه جاريا في الكل، ولا يكون لغيره في شيء من الأشياء حكم إلا بإذنه وأمره، وهو المراد بقوله: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ومعنى الاستفهام هاهنا الإنكار، أي:
لا يشفع، وفيه ردّ على المشركين القائلين للأصنام: هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ [يونس:
١٨] ويلزم من كون غيره غير متصرف في ملكه بوجه من الوجوه إلا بأمره كونه عالما بالكل وكون غيره غير عالم بالكل إلا بإعلامه. فأشار إلى الأول بقوله يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ، وإلى الثاني بقوله وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ والمعنى: يعلم ما كان قبلهم وما يكون بعدهم والضمير لما في السموات والأرض، لأن فيهم العقلاء فغلبوا، أو لما دل عليه قول مَنْ ذَا من الملائكة والأنبياء والصالحين والشهداء. عن مجاهد وعطاء والسدي أي: يعلم ما كان قبلهم من أمور الدنيا وما كان بعدهم من أمور الآخرة وعن الضحاك والكلبي: «ما بين أيديهم» : الآخرة لأنهم يقدمون عليها، «وما خلفهم» الدنيا لأنهم يخلفونها وراء ظهورهم. وعن ابن عباس:«يعلم ما بين أيديهم» من السماء إلى الأرض، «وما خلفهم» يريد ما في السموات وقيل: ما فعلوا من خير وشر وما يفعلونه بعد