الذي يفتقر إليه غيره ولا يفتقر هو إلى غيره، والظاهر إضافة محضة وكذا الباطن، أي أنه ظاهر بحسب الدلائل باطن بحسب الماهية. وأما الاسم الدال على مجموع الذات والصفات الحقيقية والإضافية والسلبية فالاله، ولا يجوز إطلاق هذا اللفظ في الإسلام على غير الله وأما الله، فسيأتي أنه اسم علم. وقد بقي هاهنا أسماء يطلقها عليه تعالى أهل التشبيه ككونه متحيزا أو حالا في المتحيز استبعادا منهم أنه كيف يكون موجود خاليا عن كلا الوصفين وهو عند أهل التقديس محال للزوم الافتقار، اللهم إلا أن يقال استصحاب المكان لا يستلزم الافتقار إلى المكان ومنها العظيم والكبير وهما متقاربان لقوله تعالى في موضع وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ [البقرة: ٢٥٥] وفي آخر وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ [سبأ: ٢٣] وقد يفرق بينهما بأنه
ورد «الكبرياء ردائي والعظمة إزاري»«١»
والرداء أرفع من الإزار. وأيضا اختص تحريم الصلاة بالله أكبر دون الله أعظم. ولا ريب أن إطلاق العظمة والكبر على الله تعالى بحسب الحجمية والمقدار كما للأجسام محال للزوم التبعيض والتجزئة. ومنها العلي والمتعالي، فإن العلو بالمعنى المستلزم للتمكن محال على الله فإما أن يراد بمثل هذه الألفاظ مزيد الرتبة والشرف على الممكنات، وإما أن يقال: إنا نطلق هذه الأسماء للإذن الشرعي فنكل معانيها إلى مراد الله تعالى، وإما أن نستمد في إدراكها بضرب من الكشف والعيان.
(العاشر في الأسماء المضمرة) قال عز من قائل: إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا [طه:
١٤] ولا يصح لغيره هذا الذكر إلا حكاية. وما جاء من قول بعض أهل الكمال: أنا من أهوى ومن أهوى أنا. إشارة إلى كمال المحبة وغاية إرادة الاتصاف بصفة المحبوب وفناء إرادته في إرادته، وقال: لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [الأنبياء: ٨٧] ولا يصح هذا إلا من العبد بشرط الحضور والمشاهدة. وقال لا إِلهَ إِلَّا هُوَ [البقرة:
٢٥٥] وإنما يصح هذا من الغائبين. واعلم أن درجات الحضور مختلفة بالقرب والبعد وكمال التجلي ونقصانه، فكل حاضر غائب بالنسبة إلى ما فوق تلك الدرجة، ورب غائب حاضر كما قيل:
أيا غائبا حاضرا في الفؤاد ... سلام على الغائب الحاضر
(١) رواه أبو داود في كتاب اللباس باب ٢٥. مسلم في كتاب البر حديث ١٢٦. ابن ماجه في كتاب الزهد باب ١٦. أحمد في مسنده (٢/ ٢٤٨، ٣٧٦) .