ينسبه إلى الكذب والخيانة فلا يقع في الغيبة والجهالة. فما أحسن هذه الفوائد وما أدخلها في الضبط والترتيب إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً قيل: هو راجع إلى قوله: إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ إن البيع بالدين قد يكون إلى أجل قريب وقد يكون إلى أجل بعيد، فاستثنى عن المداينة ما يكون أجله قريبا. ويحتمل أن يكون استثناء من قوله: وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ وقد يقال: إنه استثناء منقطع والتقدير: لكنه إذا كانت التجارة حاضرة فليس عليكم جناح. فيكون كلاما مستأنفا على سبيل الإضراب عن الأول. والتجارة تصرف في المال لطلب الربح. فسواء كانت المبايعة بدين أو بعين فالتجارة حاضرة. فإذا المراد بالتجارة هاهنا ما يتجر فيه من الأبدال. ومعنى إدارتها بينهم تعاطيهم إياها يدا بيد. والمعنى إلا أن تتبايعوا بيعا ناجزا يدا بيد. ومن قرأ تِجارَةً بالرفع فعلى «كان» التامة أو الناقصة والخبر تُدِيرُونَها ومن قرأ بالنصب فالتقدير إلا أن تكون التجارة تجارة حاضرة كبيت الكتاب.
بني أسد هل تعلمون بلاءنا ... إذا كان يوما ذا كواكب أشنعا
أي إذا كان اليوم يوما. واليوم الأشنع هو الذي ارتفع شره وعلا. وذو كواكب أي شديد. ويقال في التهديد: لأرينك الكواكب ظهرا. وقال الزجاج: تقديره إلا أن تكون المداينة تجارة أي يكون دينا قريب الأجل. فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلَّا تَكْتُبُوها ومعنى رفع الجناح عدم الضرر لا عدم الإثم إلا لزم أن تكون الكتابة المذكورة أولا واجبة، وقد أثبتنا خلاف ذلك. وإنما رخص تعالى في هذا النوع من التجارة لكثرة جريانها فيما بين الناس.
فتكليفهم الكتابة والإشهاد في كل لحظة حرج عليهم مع أن خوف التجاحد في مثله قليل.
وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ هذا التبايع كأنه لما رفع عنهم الكتابة في التجارة الحاضرة، كرر الأمر بالإشهاد ليعلم أن حكمه باق فيها لأن الإشهاد بلا كتابة تخف مؤنته. ويحتمل أن يكون أمرا بالإشهاد مطلقا ناجزا كان التبايع أو كالئا لأنه أحوط. عن الحسن: إن شاء أشهد وإن شاء لم يشهد. وعن الضحاك: هي عزيمة من الله ولو على باقة بقل. وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ يحتمل أن يكون مبنيا للفاعل فيكون أصله لا يضارر بكسر الراء وبه قرأ عمر وعليه أكثر المفسرين والحسن وطاوس وقتادة ومعناه: نهى الكاتب أن يزيد أو ينقص والشاهدين أن يحرفا أو يتركا الإجابة إلى ما يطلب منهما ولهذا قال وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ فإن التحريف في الكتابة والشهادة فسق وإثم. وعن ابن مسعود وعطاء ومجاهد أن التقدير لا يضارر بفتح الراء وبه قرأ ابن عباس، وأنه نهي للمتداينين عن الضرار بالكاتب والشهيد كأن يعجلا عن مهم ويلزا، أو لا يعطى الكاتب حقه من الجعل، أو يحمل الشهيد