تهزمون وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ في الآخرة. ومعنى جهنم قد مر في البقرة في قوله:
فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهادُ [البقرة: ٢٠٦] وقيل: هم مشركو مكة سَتُغْلَبُونَ يعني يوم بدر من قرأ بتاء الخطاب فمعناه الأمر بأن يخبرهم بما سيجري عليهم من الغلبة والحشر بأي لفظ أراد صلى الله عليه وسلم، ومن قرأ بالياء فالأمر متوجه إلى حكاية هذا اللفظ أي قل لهم قولي لك:
سَيَغْلِبُونَ. وفي الآية حجاج للقائل بتكليف ما لا يطاق، فإنه تعالى أخبر عنهم بأنهم يحشرون إلى جهنم، فلو آمنوا وأطاعوا لانقلب الخبر كذبا. وفيها دليل على صحة البعث والحشر بإخبار الصادق وفي قوله سَتُغْلَبُونَ وقد وقع كما أخبر إخبار عن الغيب فيكون معجزا دالا على صدق النبي صلى الله عليه وسلم. نظيره في حق عيسى عليه السلام وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ [آل عمران: ٤٩] ثم إنه تعالى ذكر ما يجري مجرى الدلالة على صحة ذلك الحكم فقال قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا يوم بدر فِئَةٌ إحداهما جماعة تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وهم المسلمون لأنهم يقاتلون لنصرة دين الله وإعلاء كلمته وَفِيهِ أخرى كافِرَةٌ هم كفار قريش. وبيان كون تلك الواقعة آية من وجوه: أحدها أن المسلمين كان قد اجتمع فيهم من أسباب الضعف أمور منها: قلة العدد والعدد، كانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا مع كل أربعة منهم بعير، ومعهم من الدروع ستة ومن الخيل فرسان. ومنها أنهم خرجوا غير قاصدين للحرب فلم يتأهبوا. ومنها أن ذلك ابتداء غارة في الحرب لأنها من أول غزوات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان قد حصل في المشركين أضداد هذه المعاني. كانوا تسعمائة وخمسين رجلا وفيهم أبو سفيان وأبو جهل، ومعهم مائة فرس وسبعمائة بعير، وأهل الخيل كلهم دارعون، وكان معهم دروع سوى ذلك، وكانوا قد مرنوا على الحرب والغارات. وإذا كان كذلك كانت غلبة المسلمين خارقة للعادة فكانت معجزة. وثانيها أنه صلى الله عليه وسلم كان قد أخبر عن ذلك بإخبار الله في قوله تعالى وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ [الأنفال: ٧] يعني جمع قريش أو عير أبي سفيان. وكان أخبر قبل الحرب بأن هذا مصرع فلان وهذا مصرع فلان والإخبار عن الغيب معجز. وثالثها إمداد الملائكة كما سيجيء في هذه السورة. ورابعها قوله يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ وفيه أربعة احتمالات لأن الضمير في «يرون» إما أن يعود إلى الفئة الكافرة أو إلى الفئة المسلمة، وعلى كلا التقديرين يجوز عود الضمير في مِثْلَيْهِمْ إلى كل منهما فهذه أربعة: الأول أن الفئة الكافرة رأت المسلمين مثلي عدد المشركين قريبا من ألفين. الثاني أنها رأت المسلمين مثلي عدد المسلمين ستمائة ونيفا وعشرين، ودليل هذا الاحتمال قراءة من قرأ تَرَوْنَهُمْ بتاء الخطاب أي ترون يا مشركي قريش المسلمين مثلي أنفسهم. ودليل الاحتمالين جميعا أن عود الضمير في «يرون» إلى