للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العلامة. ثم اختلفوا في تلك العلامة فعن أبي مسلم: الغرة والتحجيل، وقال الأصم: هي البلق. وقال قتادة: الشية- وقيل: الكي. وقال مجاهد وعكرمة: المسومة المطهمة أي الحسان. قال الأصمعي: رجل مطهم وفرس مطهم أي تام، كل شيء على حدته فهو بارع الجمال. السادسة الأنعام وهو جمع نعم وهي الإبل والبقر والغنم. ولا يقال للجنس الواحد منها نعم إلا للإبل خاصة فإنها غلبت عليها. السابعة الحرث وهو الزراعة ذلك الذي ذكر متاع الحياة الدنيا لأن وجوه الانتفاعات الدنيوية للإنسان إما أن تكون من بني نوعه أو من غيره. والأول أصل وهو المرأة وفرع وهو الولد، وإنما فرض الكلام في الذكور لشرفهم.

والثاني إما أن تكون من المعدنيات وأكثرها فائدة وأعمها عائدة الجوهران الثمينان فخصا بالذكر، وإما أن تكون من الحيوانات للركوب والكر والفر وهو الخيل، أو للحمل واللحم وهو الأنعام، وإما أن تكون من النباتات وهو الحاصل من الزراعة وإنما لم يتعرض للدور والقصور لأنها لم تكن معتادة عند العرب، والقرآن يخاطب أولا معهم. وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ أي المرجع. وإنما لم يذكر المآب القبيح وهو النار لأنها غير مقصودة بالذات لأنه سبحانه خلق الخلق للرحمة لا للعذاب ولهذا

قال: «سبقت رحمتي غضبي» «١»

ثم بيّن أن ذلك المرجع كما أنه حسن في نفسه فهو أحسن وأفضل من هذه الدنيا. والمقصود أن يعلم العبد أنه كما أن الدنيا أطيب وأفسح من بطن الأم فكذلك الآخرة أفسح وأوسع من الدنيا، أو لأنه لما عدد نعم الدنيا بين أن منافع الآخرة خير منها فقال مستفهما على سبيل التقرير قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ أي بشيء هو خير مِنْ ذلِكُمْ الذي عددنا. ثم استأنف بيانه وتقريره فقال: لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ كما تقول: هل أدلكم على حبر خير من فلان؟ عندي رجل من صفته كيت وكيت. وبيان الخيرية ظاهر من وصف الجنات والأزواج مع قيد الخلود، فإن النعمة وإن عظمت، فتوهم الانقطاع والزوال ينغص صفوها وينقص لذتها، وبعد زوال هذا الوهم لن يتكامل طيبها إلا بالنساء فبهن يحصل الأنس. ثم وصف الأزواج بصفة واحدة جامعة فقال: مُطَهَّرَةٌ أي من الأقذار والمنفرات. وبعد ذكر تمام النعمة ذكر ما هو فوق التمام فقال: وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ

ويندرج فيه جميع المطالب والمقاصد لأن العبد إذا رضي عنه المولى لم يتصور منصب أجل منه وأعلى، وكأن المولى وما يملكه للعبد، كما أن العبد وما يملكه للمولى وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:

٧٢] ويحتمل أن يكون اللام في قوله: لِلَّذِينَ اتَّقَوْا متعلقا بخير. واختص المتقين لأنهم


(١) رواه البخاري في كتاب التوحيد باب ١٥. مسلم في كتاب التوبة حديث ١٤- ١٦. الترمذي في كتاب الدعوات باب ٩٩. ابن ماجه في كتاب المقدمة باب ١٣. أحمد في مسنده (٢/ ٢٤٢) .

<<  <  ج: ص:  >  >>