للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كالقرآن ودعاء الشجرة وكلام الذئب وغيرها، وقد مر في هذه السورة إبطال إلهية عيسى وإثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم. ثم بيّن نفي الضد والند والصاحبة والولد بقوله: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وذكر أن اختلاف هؤلاء اليهود والنصارى إنما هو لأجل البغي والحسد فلم يبق إلا أن يقول: أما أنا ومن اتبعن فمنقادون للحق مستسلمون له مقبلون على عبودية الله تعالى.

وهذا طريق قد يذكره المحتج المحق مع المبطل المصر في آخر كلامه. وثانيهما أن قوله:

أَسْلَمْتُ محاجة وبيانه أن القوم كانوا مقرين بوجود الصانع وكونه مستحقا للعبادة، فكأنه صلى الله عليه وسلم قال هذا القول متفق عليه بين الكل فأنا متمسك بهذا القدر المتفق عليه وداعي الخلق إليه، وإنما الخلاف في أمور وراء ذلك. فاليهود يدعون التشبيه والجسمية، والنصارى يدعون إلهية عيسى، والمشركون يدعون وجوب عبادة الأوثان. فهؤلاء هم المدعون لهذه الأشياء فعليهم إثباتها ونظير هذه الآية قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً [آل عمران: ٦٤] وعن أبي مسلم أن الآية في هذا الموضع كقول إبراهيم عليه السلام إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ [الأنعام: ٧٩] كأنه قيل: فإن نازعوك يا محمد في هذه التفاصيل فقل: أنا متمسك بطريقة إبراهيم وأنتم معترفون بأنه كان محقا في قوله صادقا في دينه، فيكون من باب التمسك بالإلزامات وداخلا تحت قوله: وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل: ١٢٥] وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ من اليهود والنصارى وَالْأُمِّيِّينَ وهم مشركو العرب الذين لا كتاب لهم أَسْلَمْتُمْ ومعناه الأمر وفائدته التعيير بالعناد وقلة الإنصاف كقولك لمن لخصت له المسألة ولم تأل جهدا في سلوك طريقة الكشف والبيان له: هل فهمتها؟ فإنه يكون توبيخا له بالبلادة وكلال الذهن ومثله في آية تحريم الخمر فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ [المائدة: ٩١] إشارة إلى التقاعد عن الانتهاء. فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا إلى ما يهدي الله إليه أو إلى الفوز والنجاة في الآخرة وَإِنْ تَوَلَّوْا أعرضوا عن الإسلام لي والاتباع لك فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ ما عليك إلا أن تبلغ الرسالة وتنبه على طريق الرشاد وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ يوفق للصلاح من شاء ويترك على الضلالة من أراد. ثم وصف المتولي بصفات ثلاث وأردفه بوعيده فقال:

إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ أي ببعضها المعهود لأن اليهود كانوا مقرين ببعض الآيات الدالة على وجود الصانع وقدرته وعلمه وشيء من المعاد أو بكلها كما هو ظاهر الجمع المضاف، وتوجيهه أن المكذب ببعض آيات الله كالكافر بجميعها وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ أي المعهودين لأنهم ما قتلوا كلهم ولا أكثرهم بِغَيْرِ حَقٍّ من غير ما شبهة عندهم وَيَقْتُلُونَ أو يقاتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس. عن الحسن أن في الآية دلالة على أن الآمر

<<  <  ج: ص:  >  >>