منقطعا عما قبله لأن طلب الاهتداء بصراط المنعم عليهم لا يجوز إلا بشرط كون المنعم عليه غير مغضوب عليه ولا ضالا بدليل قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً [إبراهيم: ٢٨] فهذا المجموع كلام واحد، وهذا بخلاف «الرحمن الرحيم» فإنا لو قطعنا النظر عن الصفة كان الكلام مع الموصوف غير مختل النظام. قالوا:
روت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفتتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين. قلنا: قال الشافعي:
لعل عائشة جعلت «الحمد لله رب العالمين»
اسما لهذه السورة كما يقال قرأ فلان «الحمد لله الذي خلق السموات والأرض» . قالوا: لو كانت من الفاتحة لزم التكرار في «الرحمن الرحيم» قلنا: التكرار للتأكيد غير عزيز في القرآن. فإن قيل: إذا عد التسمية آية من كل سورة على ما يروى عن ابن عباس، فمن تركها فقد ترك مائة وأربع عشرة آية من كتاب الله.
فما وجه ما
روي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في سورة الملك: إنها ثلاثون آية وفي الكوثر إنها ثلاث آيات
مع أن العدد حاصل بدون التسمية؟ قلنا: إما أن تعد التسمية مع ما بعدها آية وذلك غير بعيد، ألا ترى أن قوله «الحمد لله رب العالمين» آية تامة، وفي قوله وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ [يونس: ١٠] بعض آية؟ وإما أن يراد ما هو خاصة الكوثر ثلاث آيات، فإن التسمية كالشيء المشترك فيه بين السور.
البحث الثالث: عن أحمد بن حنبل أن التسمية آية من الفاتحة، ويسرّ بها في كل ركعة. أبو حنيفة: ليست بآية ويسر بها. مالك: لا ينبغي أن يقرأها في المكتوبة لا سرا ولا جهرا. الشافعي: آية ويجهر بها لأنها بعد ما ثبت كونها من الفاتحة والقرآن لا يعقل فرق بينها وبين باقي الفاتحة حتى يسر بهذه ويجهر بذلك. وأيضا إنه ثناء على الله وذكر له فوجب أن يكون الإعلان به مشروعا لقوله عز من قائل فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً [البقرة: ٢٠٠] وأيضا الإخفاء والسر إنما يليق بما فيه نقيصة ومثلبة لا بما فيه مفخرة وفضيلة.
قال صلى الله عليه وسلم: «طوبى لمن مات ولسانه رطب من ذكر الله»
وكان علي بن أبي طالب يقول: يا من ذكره شرف للذاكرين.
وكان مذهبه الجهر بها في جميع الصلوات، وقد ثبت هذا منه تواترا ومن اقتدى به لن يضل.
قال صلى الله عليه وسلم: «اللهم أدر الحق معه حيث دار» «١»
وروى البيهقي في السنن الكبرى عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهر في الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم. وروي عن عمر وابنه وابن عباس وابن الزبير مثل ذلك،
وروى الشافعي بإسناده أن معاوية قدم المدينة فصلى بهم ولم يقرأ «بسم الله الرحمن الرحيم» ولم يكبر عند الخفض إلى الركوع والسجود، فلما سلم ناداه المهاجرون والأنصار: يا معاوية سرقت من
(١) رواه الترمذي في كتاب المناقب باب ١٩.