للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنفاذه ملأ الله قلبه أمنا وإيمانا» «١»

وقال أيضا: «ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب» «٢»

ومنها قوله: وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ قيل: يحتمل أن يراد العفو عن المعسرين لأنه ورد عقيب قصة الربا كما قال في البقرة: وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ [البقرة: ٢٨٠] ويحتمل أنه صلى الله عليه وسلم غضب على المشركين حين مثلوا بحمزة فقال: لأمثلن بهم. فندب إلى كظم هذا الغيظ والصبر عليه والعفو عنهم.

والظاهر أنه عام لجميع المكلفين في الأحوال إذا جنى عليهم أحد لم يؤاخذوه.

قال صلى الله عليه وسلم «لا يكون العبد ذا فضل حتى يصل من قطعه ويعفو عمن ظلمه ويعطي من حرمه»

وعن عيسى ابن مريم عليه السلام: ليس الإحسان أن تحسن إلى من أحسن إليك ذاك مكافأة، إنما الإحسان أن تحسن إلى من أساء إليك. وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ يجوز أن يكون اللام للجنس فيتناول كل محسن ويدخل فيه هؤلاء المذكورون، وأن يكون للعهد فيكون إشارة إلى هؤلاء. وذلك أن من أنواع الإحسان إيصال النفع إلى الغير وهو المعنى بالإنفاق في السراء والضراء في وجوه الخيرات. ويدخل فيه الإنفاق بالعلم وبالنفس، والجود بالنفس أقصى غاية الجود.

ومنها دفع الضرر عن الغير إما في الدنيا بأن لا يشتغل بمقابلة الإساءة بإساءة أخرى وهو المعبر عنه بكظم الغيظ، وإما في الآخرة بأن يبرىء ذمته عن التبعات والمطالبات الأخروية وهو المقصود بالعفو. فإذن الآية دالة على جميع جهات الإحسان إلى الغير. فذكر ثواب المجموع بقوله: وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ فإن محبة الله للعبد أعظم درجات الثواب.

قال ابن عباس في رواية عطاء: إن منهالا التمار أتته امرأة حسناء تبتاع منه تمرا فضمها إلى نفسه وقبلها ثم ندم على ذلك، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم وذكر ذلك له فنزلت وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً الآية.

وقال في رواية الكلبي: إن رجلين أنصاريا وثقيفا آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما، فكانا لا يفترقان في أحوالهما. فخرج الثقفي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقرعة في السفر وخلف الأنصاري في أهله وحاجته. فأقبل ذات يوم فأبصر امرأة صاحبه قد اغتسلت وهي ناشرة شعرها، فوقعت في نفسه فدخل ولم يستأذن حتى انتهى إليها. فذهب ليلثمها فوضعت كفها على وجهها فقبل ظاهر كفها ثم ندم واستحى فأدبر راجعا فقال: سبحان الله خنت أمانتك وعصيت ربك ولم تصب حاجتك. قال: وندم على صنيعه فخرج يسيح في الجبال ويتوب


(١) رواه ابو داود في كتاب الأدب باب ٣. الترمذي في كتاب البر باب ٧٤. ابن ماجه في كتاب الزهد باب ١٨. أحمد في مسنده (٣/ ٤٣٨، ٤٤٠) .
(٢) رواه البخاري في كتاب الأدب باب ١٠٢. مسلم في كتاب البر حديث ١٠٦. الموطأ في كتاب حسن الخلق حديث ١٢. أحمد في مسنده (١/ ٣٨٢) .

<<  <  ج: ص:  >  >>