للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سبب حتى روي أن أبا سفيان صعد الجبل من الخوف وقال: أين ابن أبي كبشة- يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ - أين ابن أبي قحافة؟ أين ابن الخطاب؟ فأجابه عمر وجرى بينهم من الكلمات ما جرى. والرعب الخوف الذي يملأ القلب فزعا ومنه سيل راعب إذا ملأ الأودية والأنهار. وإلقاء الرعب في قلوبهم لا يقتضي إلقاء جميع أنواعه فيها وإنما يقتضي وقوع هذه الحقيقة فيها من بعض الوجوه. ولكن ظاهر قوله: فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا يقتضي وقوع الرعب في قلوب جميع الكفرة وهكذا هو في الواقع لأنه لا أحد يخالف دين الإسلام إلا وفي قلبه خوف المسلمين وهيبتهم. إما في الحرب وإما في المحاجة. وقيل: إنه مخصوص بأولئك الكفار. بِما أَشْرَكُوا أي بسبب إشراكهم بالله. وفيه وجه معقول وهو أن الدعاء إنما يصير في محل الإجابة عند الاضطرار كما قال: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ [النمل: ٦٢] ومن اعتقد أن لله شريكا لم يحصل له الاضطرار لأنه يقول: إن كان هذا المعبود لا ينصرني فذاك الآخر ينصرني فلا يحصل له الإجابة. فيلزمهم الرعب والخوف هذا على تقدير أن معبوديهم يصح منهم الإجابة. كيف وإنهم لا يملكون نفعا ولا ضرا؟ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً الهة لم ينزل الله بإشراكها حجة. والتركيب يدل على القدرة والشدة والحدة ومنه يقال للوالي سلطان، ومنه سلاطة اللسان، والسليط الزيت كأنه استخراج بالقهر. قال الجوهري: السلطان بمعنى الحجة والبرهان لا يجمع لأن مجراه مجرى المصدر. وليس المراد أن هناك حجة إلا أنها لم تنزل لأن الشرك لن يقوم عليه حجة، ولكن المراد نفي الحجة ونزولها جميعا كقوله:

ولا ترى الضب بها ينجحر قال المتكلمون: التقليد باطل لأن كل ما لا دليل عليه لم يجز إثباته. ومنهم من يبالغ فيقول: ما لا دليل عليه فيجب نفيه. ومنهم من احتج بهذا الحرف على وحدانية الصانع فقال: لا سبيل إلى إثبات الصانع إلا باحتياج المحدثات إليه. ويكفي في رفع هذه الحاجة إثبات الصانع الواحد فما زاد لا سبيل إلى إثباته فلم يجز إثباته. أقول: هذا إذا استدللنا بعدم الدليل على وجود الشريك على نفيه، أما إذا استدللنا بوجود الدليل على نفيه فلا شريك لأجل الدليل، ولا دليل على الاشتراك لوجود الدليل على نفي الشريك. ولما ذكر حال الكفرة في الدنيا وهو استيلاء الرعب عليهم أتبعه حالهم في الآخرة فقال: وَمَأْواهُمُ أي والمكان الذي يأوون إليه النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ مقام المشركين من ثوى بالمكان يثوي إذا أقام به ثم أكد وعد إلقاء الرعب بقوله: وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>