للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجهاد، فأمره الله تعالى أن يجيب عنها بقوله: قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ والحوادث بأسرها مستندة الى قضائه وقدره. فإذا كان قدر الخروج إلى الكفار واختصاص جمع من الصحابة بالشهادة فلا مفر من ذلك، وإذا أراد إعلاء كلمة الإسلام وإظهار هذا الدين على الأديان وقع لا محالة. يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ في ضمائرهم أو فيما بينهم ما لا يُبْدُونَ لَكَ وذلك المخفي قولهم: لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا أي لو كان هذا الدين حقا لما سلط الله الكفار على من يذب عنه، ولما قتل من المسلمين من قتل في هذه المعركة، فأمر الله تعالى نبيه أن يجيبهم بقوله: قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ وهي مصارعهم التي قتلوا فيها، لأن ما كتب الله في اللوح لم يكن بد من وجوده. فلو قعدتم في بيوتكم لخرج منكم من كتب الله عليهم أن يقتلوا في المصارع المعلومة حتى يوجد ما علم الله وجوده. وقيل: معناه لو تخلفتم أيها المنافقون عن الجهاد، لخرج المؤمنون الذين كتب الله عليهم قتال الكفار إلى مصارعهم ولم يتخلفوا عن هذه الطاعة بسبب تخلفكم، على أن البروز إلى هذه المصارع لا يخلو عن الفوائد وذلك قوله:

وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ خص الابتلاء بما في الصدور والتمحيص بما في القلوب إما لاختلاف العبارة، وإما لأن الابتلاء محله القلب الذي في الصدر. والتمحيص مورده الهيئات والعقائد التي في القلب. واعلم أن نسق هذه الآية أنيق ونظمه عجيب. أما نسقه فقوله: وَطائِفَةٌ مبتدأ وأَهَمَّتْهُمْ صفته ويَظُنُّونَ خبره.

ويحتمل أن يكون خبره محذوفا أي وثمة، أو ومنهم طائفة أهمتهم، ويَظُنُّونَ صفة أخرى، أو حال بمعنى أهمتهم أنفسهم ظانين، أو استئناف على وجه البيان للجملة قبلها، ويَقُولُونَ بدل من يَظُنُّونَ أو بيان له. وإنما صح وقوع القول الذي مقوله إنشاء بدلا من الإخبار بالظن لأن سؤالهم كان صادرا عن الظن. ويُخْفُونَ حال من يَقُولُونَ وقُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ اعتراض بين الحال وذي الحال، فمن قرأ كُلَّهُ بالرفع فلأنه مبتدأ ولِلَّهِ خبره، والجملة خبر «إن» . ومن قرأ بالنصب فلكونه تأكيدا للأمر ولِلَّهِ خبر «إن» كما لو قلت: إن الأمر أجمع لله. وقوله: يَقُولُونَ استئناف، وقوله: وَلِيَبْتَلِيَ تقدم ذكره في الوقوف. وأما نظمه فإنه لما أخبر عن هذه الطائفة بأنهم يظنون ظن الجاهلية، فسر ذلك الظن بأنهم يقولون هل لنا من الأمر من شيء، لأن هذا القول لا يصدر إلا عمن كان ظانا بل شاكا في حقية هذا الدين وفي المبدأ والمعاد وفي القضاء والقدر، فأزال ذلك الظن بقوله: قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ بيده الإماتة والإحياء والفقر والإغناء والسراء والضراء. ثم لما كان سؤالهم ذلك مظنة أن يكون سؤال المؤمنين المسترشدين لا المعاندين المنكرين، أراد أن يكشف عن حالهم ويبين مقالهم كيلا يغتربه المؤمنون فقال: يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا

<<  <  ج: ص:  >  >>