عن الإنسان الواحد بالناس لأنه من جنس الناس كما يقال: فلان يركب الخيل وما له إلا فرس واحد. ولأن الواحد إذا قال قولا وله أتباع يقولون مثل قوله ويرضون به، حسن إضافة ذلك الفعل إلى الكل كقوله تعالى: وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً [البقرة: ٧٢] وحين قال نعيم ذلك القول لم يخل من ناس من أهل المدينة يضامّونه ويصلون جناح كلامه، وقال ابن عباس ومحمد بن إسحق: مر ركب من عبد القيس بأبي سفيان فدسهم إلى المسلمين ليخوفوهم وضمن لهم عليه جعلا- حمل بعير من زبيب-. وقال السدي: هم منافقوا المدينة كانوا يثبطون المسلمين عند الخروج ويقولون: إن الناس قد جمعوا لكم يعني أبا سفيان وأصحابه. والمفعول محذوف أي جمعوا لكم الجموع. والعرب تسمي الجيش جمعا.
فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ قول نعيم أو قول المثبطين إِيماناً لأنهم لم يسمعوا قولهم وأخلصوا عنده النية والعزم على الجهاد، وأظهروا حمية الإسلام فكان ذلك أثبت ليقينهم وأقوى لاعتقادهم. واستدل بالآية من قال: إن الطاعات داخلة في مسمى الإيمان وأنه يزيد وينقص بحسب زيادتها ونقصانها. وأما من قال: الإيمان عبارة عن نفس التصديق فتأويله أن الزيادة وقعت في ثمرات الإيمان، ولكنها جعلت في الإيمان مجازا. وقد مر تحقيق الكلام لنا في هذا المعنى في أوائل الكتاب. وكما أنهم أضمروا ذلك بحسب الاعتقاد وافقوا الخليل عليه السلام حين ألقي في النار فأظهروه باللسان وقالوا: حسبنا الله. وقد مر إعراب مثله في البقرة في قوله: فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ [البقرة: ٢٠٦] . وَنِعْمَ الْوَكِيلُ الكافي أو الكافل أو الموكول إليه هو. ثم عملوا بما اعتقدوه وقالوه فخرجوا فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وهي العافية وَفَضْلٍ وهو الربح بالتجارة، أو النعمة منافع الدنيا والفضل ثواب الآخرة. لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ لم يصبهم قتل ولا جراح. وصفهم بأنه حصل لهم الملائم ولم يحصل لهم المنافي وهذه غاية المطلب ونهاية الأماني، وإن ذلك ثمرة الإخلاص والتوكل على الله سبحانه وتعالى. ثم روي أنهم قالوا: هل يكون هذا غزوا؟ فقال تعالى: وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ ليعلموا أن لهم ثواب المجاهدين حيث قضوا ما عليهم. ثم قال: وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ تنبيها على أن السبب الكلي في ثواب المطيعين هو فضل ربهم ورحمته عليهم ولم ينج أحدا عمله إلا أن يتغمده الله برحمته، فعلى المؤمن أن لا يثق إلا بالله ولا يخاف أحدا إلا إياه وذلك قوله: إِنَّما ذلِكُمُ المثبط هو الشَّيْطانُ لعتوّه وتمرده وإغوائه. ثم بين شيطنته بقوله: يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ أو الشيطان صفة اسم الإشارة، وهذه الجملة خبر والمفعول الأوّل محذوف أي يخوّفكم أولياءه فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فإن الإيمان يقتضي أن تؤثروا خوف الله على خوف الناس الذين هم أولياء المثبطين. والأولياء هم أبو سفيان وأصحابه. وقيل: الشيطان هو إبليس. وقيل: المضاف محذوف والتقدير إنما