للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وصف العذاب أوّلا بالعظم ثم بالألم ثم بالإهانة تدرج من الأهون إلى الأشق، وفيه من الوعيد والسخط ما لا يخفى. قالت الأشاعرة هاهنا: إن إطالة المدة من فعل الله لا محالة.

والآية دلت على أنها ليست بخير ففيه دلالة على أنه سبحانه فاعل الخير والشر. وأيضا إنه نص على أن الغرض من هذا الإملاء، أن يزدادوا إثما، فإذن الكفر والمعاصي بإرادة الله.

وأيضا أخبر عنهم أنه لا خير لهم فيه وأنهم لا يحصلون منه إلا على ازدياد الغي والإثم، والإتيان بخلاف خبر الله تعالى محال، فعلمنا أنهم مجبورون على ذلك في صورة مختارين.

أجابت المعتزلة بأن المراد أن هذا الإملاء ليس خيرا من موت الشهداء إذ الآية من تتمة قصة أحد، لا أنه ليس بخير مطلقا. وزيف بأن بناء المبالغة لا يجوز ذكره إلا مع المفضل عليه، لكنه لم يذكر فعلمنا أنه لنفي الخيرية لا لنفي كونه خيرا من شيء آخر، وعن الثاني أن ازدياد الإثم علة للإملاء وليس كل علة بغرض كقولك: قعدت عن الغزو للعجز والفاقة. ومثله وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلُّوا [إبراهيم: ٣٠] وهم ما فعلوا ذلك إلا ضلال. ويقال: ما كانت موعظتي لك إلا للزيادة في تماديك في الغي إذا كانت عاقبة الموعظة ذلك. ورد بأن حمل اللام على لام العاقبة عدول عن الظاهر، على أنا نعلم بالبرهان أن علمه تعالى بأنهم مزدادون إثما على تقدير الإمهال علة فاعلية لازديادهم إثما فكان تعالى فاعلا للازدياد ومريدا له. قالوا: في الكلام تقديم وتأخير وترتيبه: لا يحسبن الذين كفروا إنما نملي لهم ليزدادوا إثما إنما نملي لهم خير لأنفسهم. ويعضده قراءة يحيى بن وثاب بكسر «إن» الأولى وفتح الثانية. وردّ بأن التقديم والتأخير خلاف الأصل، والقراءة الشاذة لا اعتداد بها مع أن الواحدي أنكرها. ثم إنه تعالى أخبر أنه لا يجوز في حكمته أن يترك المؤمنين على ما هم عليه من اختلاط المخلص بالمنافق، ولكنه يعزل أحد الجنسين عن الآخر بإلقاء الحوادث وإبداء الوقائع كما في قصة أحد.

لله در النائبات فإنها ... صدأ اللئام وصيقل الأحرار

فقال: ما كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ اللام لتأكيد النفي والخطاب في أَنْتُمْ للمصدقين جميعا من أهل الإخلاص والنفاق. خوطبوا بأنه ما كان في حكمة الله أن يترك المخلصين منكم على الحال التي أنتم عليها من اختلاط بعضكم ببعض. وماز وميّز لغتان. مزت الشيء بعضه من بعض أميزه ميزا، وميّزته تمييزا.

وفي الحديث «من ماز أذى عن الطريق فهو له صدقة وحجة» «١»

ولفظ الطيب والخبيث وإن كان مفردا إلا أنه للجنس والمراد جميع


(١)
رواه أحمد في مسنده (٤/ ٤٢٢، ٤٢٣) بلفظ «أمز الأذى عن الطريق» عند ما طلب منه أبو برزة أن يحدثه بشيء ينفعه الله به.

<<  <  ج: ص:  >  >>