للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢٦] قالت الملائكة: مات أهل الأرض. فلما نزل كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ قالت الملائكة: متنا. وفي الآية دليل على أن المقتول ميت وعلى أن النفس باقية بعد البدن، لأن الذائق لا بد أن يكون باقيا حال حصول الذوق. قالت الحكماء: الموت واجب الحصول عند هذه الحياة الجسمانية لأنها لا تحصل إلا بالرطوبة الغريزية والحرارة الغريزية، ثم إن الحرارة الغريزية تؤثر في تقليل الرطوبة الغريزية. وإذا قلت: الرطوبة الغريزية ضعفت الحرارة الغريزية، ولا يزال تستمر هذه الحالة إلى أن تفنى الرطوبة الأصلية فتنطفىء الحرارة الغريزية ويحصل الموت، فبهذا الطريق كان الموت ضروريا في هذه الحياة. قالوا:

والأرواح المجردة لا موت لها، وناقشهم المسلمون فيه. وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ في ذكر التوفية إشارة إلى أن بعض الأجور يعطى قبل ذلك اليوم كما

قال صلى الله عليه وسلم: «القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار» .

فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ الزح التنحية والإبعاد والزحزحة تكريره فَقَدْ فازَ لم يقيد الفوز بشيء لأنه لا فوز وراء هذين الأمرين:

الخلاص من العذاب والوصول إلى الثواب. فمن حصل له هذان فقد فاز الفوز المطلق المتناول لكل ما يفاز به.

قال صلى الله عليه وسلم: «من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتدركه منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر ويأتي إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه» «١»

فالأول رعاية حقوق الله، والثاني محافظة حقوق العباد. ثم شبه الدنيا بالمتاع الذي يدلس به على المستام ويغرّ حتى يشتريه ثم يتبين له فساده ورداءته، وذلك أن لذاتها تفنى وتبعاتها تبقى. والغرور بالضم مصدر، والغار المدلس هو الشيطان.

عن علي بن أبي طالب: لين مسها قاتل سمها.

وعن بعضهم: الدنيا ظاهرها مظنة السرور وباطنها مطية الشرور. وعن سعيد بن جبير: إنما هذا المن آثرها على الآخرة. فأما من طلب الآخرة بها فإنها متاع بلاغ. لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ

اللام جواب القسم المقدر، والنون دخلت مؤكدة، وضمت الواو للساكنين ولما كان يجب لما قبلها من الضم. والمراد ما نالهم من الفقر والضر والقتل والجرح، والتكاليف الشاقة البدنية والمالية من الصلاة والزكاة والصوم والجهاد، والذي كانوا يسمعونه من الكفرة كالطعن في الدين الحنيف وأهليه، وإغراء المخالفين وتحريضهم عليهم وإغواء المنافقين وتنفيرهم عنهم وَإِنْ تَصْبِرُوا على ما ابتلاكم الله به وَتَتَّقُوا المخالفة أو تصبروا على أداء الواجبات وتتقوا ارتكاب المحظورات فَإِنَّ ذلِكَ الصبر والتقوى مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ من معزوماتها الذي لا يترخص العاقل في تركه لكونه حميد العاقبة بين الصواب، أو هو من


(١) رواه ابن ماجه في كتاب الفتن باب ٩. مسلم في كتاب الإمارة حديث ٤٦. النسائي في كتاب البيعة باب ٢٥. أحمد في مسنده (٢/ ١٦١، ١٩١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>