تواجهه المرأة المسلمة في الآونة الأخيرة هجمات شرسة من أعداء الله، الذين يريدون إخراجها من بيتها وحيائها، والزج بها في مستنقعات الرذيلة ومزاحمة الرجال، وإبعادها عن دينها وشغلها عن تعلمه، وتعليمها لأمور تافهة، ونرجو من فضيلتكم توجيه كلمة إلى أهل الخير ودعوتهم وحثهم على حث أهلهم لحضور دروس العلم التي تزيد المرأة المسلمة علماً وتمسكاً بدينها؛ لأننا نلحظ التقصير الواضح من أهل الخير حفظهم الله في حث أهلهم على ذلك، ولا نرى إلا امرأة أو امرأتين، فنرجو من فضيلتكم توجيه هذه الكلمة؛ مساهمة في توعية المرأة المسلمة وتثقيفها، حيث إن المرأة المسلمة جديرة بالعلم؛ ولتقف في وجه خطط الأعداء، والله يحفظكم.
الجواب
لا شك أن تعليم العلم الشرعي وتعلمه أجره عظيم وفضله جسيم، والأدلة على فضل العلم وتعلمه وتعليمه كثيرة، ومعروفة في الكتاب والسنة، ومنها قوله تعالى:{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ}[الزمر:٩]، وقوله:{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}[المجادلة:١١]، وهذا عام للرجال والنساء، فينبغي على المسلم والمسلمة وعلى طالب العلم وطالبة العلم العناية بطلب العلم، وحث إخوانهم على حضور حلقات العلم والدروس العلمية؛ حتى يتفقه الإنسان في دينه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث:(من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)، ولا شك أن الإنسان إذا تعلم علم الحق وعبد ربه على بصيرة، ويستطيع أن يرد على شبه المبطلين ويرد الباطل، هذا عام للرجال والنساء.
فنهيب بالطلاب والطالبات من الرجال والنساء العناية بطلب العلم وحلقاته، والصبر والمصابرة عليه، والعناية به، ولو فاتهم شيء من أعمال الدنيا، فإن العلم الشرعي فضله عظيم، وهو أفضل من نوافل العبادة كما قال العلماء فهو أفضل من نوافل الصلاة والصوم والحج، وإذا دار الأمر بين أن تطلب العلم أو التنفل في الليل أو في الضحى فطلب العلم أفضل، وإذا كان صيام النفل -كصيام يوم الخميس وصيام الأيام البيض- يخل بطلب العلم فطلب العلم أفضل، وهكذا.
وطلب العلم من أجل القربات وأفضل الطاعات لمن صلحت نيته وقصد به وجه الله والدار الآخرة، فلا شك أن ما ذُكر في السؤال جدير بالعناية، وينبغي على الطلاب والطالبات حث الإخوان والأخوات على طلب العلم وبيان فضله؛ حتى يشيع الخير وينتشر العلم، وترد الهجمات الشرسة التي يتبناها أعداء الله، ولا يمكننا أن نرد هذه الهجمات إلا إذا تسلحنا بسلاح العلم، وإذا كان الإنسان جاهلاً فقد يغتر وتنطلي عليه الشبهة، وأما صاحب البصيرة فلا تنطلي عليه الشبه، وأذكر مثالاً لهذا: قصة الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفساً، ثم سأل عن عالم فدُل على راهب عابد -يتعبد الليل والنهار، يصليهما ويصومها- فجاءه فقال: قتلت تسعة وتسعين نفساً، فهل لي من توبة؟ قال: أعوذ بالله، ليس لك توبة، فقتله وكمل به المائة، وهذه فتوى جاهلة؛ لأنه جاهل، فهو عابد لم يتعلم، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض، فدل على عالم فقال: قتلت مائة نفس فهل لي من توبة؟ فقال: ومن يحول بينك وبين التوبة؟ فانظر إلى العلم، فإنه نور، ومن تاب تاب الله عليه مهما فعل، ولو فعل الشرك، فالأول أفتى بجهل؛ لأنه عابد غير عالم، والثاني أفتى بعلم، وكان أثر فتوى الأول: أنه قتل، وعُوقب عاجلاً، وأما فتوى الثاني فكانت آثارها أن تاب القاتل، وأُرشد إلى أن يعبد الله في بلدة كذا، فجاءه الموت فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، ثم في النهاية قبضته ملائكة الرحمة؛ بسبب النور والإرشاد من العالم، فالعلم نور والجهل ظلام.
نسأل الله حسن الخاتمة، ونسأله سبحانه وتعالى أن يرزقنا وإياكم العلم النافع، والعمل الصالح، وأن يجعلنا وإياكم من العالمين الذين هم {لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ}[يونس:٦٢]، ونسأله سبحانه وتعالى أن يثبتنا وإياكم على دينه حتى الممات، وأن يوفقنا للاقتداء بنبينا صلى الله عليه وسلم، والعمل بسنته والعض عليها بالنواجذ، إنه على كل شيء قدير، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.