إذا كان مذهب أهل السنة في الفتنة التي وقعت بين الصحابة هو السكوت عنها وعدم ذكرها والتعرض لها، فلماذا ذكرها الحافظ ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية؟
الجواب
ذكر ابن كثير ما شجر بين الصحابة من كتب التاريخ، ولكنه كان يبين أن الصحابة إنما فعلوا ذلك عن اجتهاد، وأنهم بين مجتهد مصيب له أجران، وبين مجتهد مخطئ له أجر واحد.
والنصوص دلت على الخلاف الذي حصل بين الصحابة، فقد دلت النصوص على أن علياً رضي الله عنه ومن معه مصيبون، وأن معاوية ومن معه مخطئون، ولهذا انضم الصحابة إلى علي رضي الله عنه، واستدلوا بقول الله تعالى:{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي}[الحجرات:٩]، فقالوا: إن علياً رضي الله عنه هو الخليفة الراشد، وتمت له البيعة، وأهل الشام ومعاوية بغاة، فيجب قتالهم حتى يخضعوا، فانضم جمهور الصحابة مع علي رضي الله عنه، عملاً بهذه الآية:{فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ}[الحجرات:٩].
ومما يدل على أن أهل الشام ومعاوية بغاة قول النبي صلى الله عليه وسلم لـ عمار:(تقتلك الفئة الباغية) فسماهم بغاة.
وقال عليه الصلاة والسلام:(تمرق مارقة على حين فرقة من الناس تقتلهم أولى الطائفتين بالحق)، فخرجت الخوارج وقتلهم علي رضي الله عنه، فدل على أنه أولى بالحق من معاوية.
لكن معاوية وأهل الشام كانوا لا يعلمون أنهم بغاة، فهم مجتهدون يطالبون بدم عثمان، فلهم أجر الاجتهاد وفاتهم أجر الصواب، وعلي ومن معه لهم أجر الصواب وأجر الاجتهاد.
وهناك بعض الصحابة أشكل عليهم الأمر ولم يعرفوا المصيب، فلم يقفوا مع هؤلاء ولا مع هؤلاء، واعتزلوا الفريقين، ومنهم ابن عمر، وسلمة بن الأكوع، فإنه ذهب إلى البادية واعتزل الفريقين وتزوج، وقال: أذن لي النبي صلى الله عليه وسلم في البدو، ومنهم أسامة بن زيد، في جماعة أشكل عليهم الأمر، حتى سماهم بعض الناس مرجئة الصحابة، أخذاً من الإرجاء وهو التاخير؛ لأنهم أخروا الفريقين، وأرجئوا أمرهم إلى الله؛ لعدم تبين الأمر لهم.
فعلى المسلم أن يترحم على الجميع، ويعرف أن لهم من الحسنات ما يغطي ما صدر عنهم من الهفوات.