الضابط في تخفيف الصلاة المأمور به في قوله صلى الله عليه وسلم:(من صلى بالناس فليخفف) هو فعل النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن قوله يفسره فعله، وقوله لا يناقض فعله، والرسول صلى الله عليه وسلم لا يتناقض، وهو القائل عليه الصلاة والسلام:(من صلى بالناس فليخفف)، وهو القائل:(أفتان أنت يا معاذ؟!).
وأما فعله عليه الصلاة والسلام فقد ثبت أنه كان عليه الصلاة والسلام له في الركوع عشر تسبيحات مع التدبر، وفي السجود عشر تسبيحات مع التدبر، وكان إذا رفع رأسه من الركوع وقف حتى يقول القائل: قد نسي، وإذا رفع رأسه من السجدة جلس حتى يقول القائل: قد نسي.
فهذا هو التخفيف، فالتخفيف هو فعل النبي صلى الله عليه وسلم: عشر تسبيحات في الركوع وعشر تسبيحات في السجود، وكل هذا تخفيف، فلو سبح خمسين تسبيحة فهذا تطويل، وإذا سبح عشرين أو ثلاثين أو أربعين تسبيحة فهذا تطويل، وإذا سبح خمساً أو سبعاً أو تسعاً أو عشراً فهذا تخفيف؛ لأنه فعل الرسول صلى الله عليه وسلم.
والمراد: تخفيف مع إتمام، لا تخفيف مخل، ولهذا قال أنس:(ما رأيت أتم صلاة من صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم)، فهو عليه الصلاة والسلام لا يتناقض، وإنما يفسر قوله بفعله، وفعله يحقق قوله عليه الصلاة والسلام.
ومعاذ قال له النبي صلى الله عليه وسلم:(أفتان أنت يا معاذ؟!)؛ لأن معاذاً رضي الله عنه بدأ بسورة البقرة، وكان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ويصلي بأصحابه، فجاء رجل من الأنصار بناضحين، وكان طيلة النهار يعمل في مزرعته، فلما كبر معاذ بدأ بالبقرة، فقرأها كلها في ركعة، ثم استمر معاذ يقرأ، وكان الرجل متعباً لا يستطيع المتابعة، فلما رأى ذلك نوى الإنفراد وأتم صلاته، فنال منه معاذ، وجاء في بعض الروايات أنه قال: إنه منافق، فشكاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقال:(أفتان أنت يا معاذ؟! أفلا قرأت بـ ((سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى))، و ((هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ))، ((وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا))، من صلى بالناس فليخفف؛ فإن من وراءه الضعيف والسقيم وذا الحاجة، وإذا صلى بنفسه فليطول ما شاء).
وبعض الناس حالهم كما قال ابن القيم: بعض النقارين لا يعرف من النصوص إلا (أفتان أنت يا معاذ؟!)، و (من صلى بالناس فليخفف)، ولا ينظر إلى الأحاديث الأخرى، ولا يضم بعض الأحاديث إلى بعض، فالأحاديث يضم بعضها إلى بعض، ويجمع بعضها إلى بعض، ويعمل بها كلها، ولا تضرب النصوص بعضها ببعض.
والنبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الفجر من ستين إلى مائة آية، فإذا كان ذلك في الركعتين فمعناه أنه قرأ في كل ركعة خمسين أو ثلاثين، وإذا كان ذلك في الركعة فقد قرأ ستين آية.
وكان يقرأ في المغرب من قصار المفصل، وهذا في الغالب، وربما قرأ في المغرب من طوال المفصل، فلا يلازم القصار في المغرب، حتى قيل: إن ملازمة القصار في المغرب من سنة مروان الحمار، فهو الذي كان يلازم القصار، وإلا فإن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ مرة بالطور، وقرأ مرة بالمرسلات، وقرأ بـ (اقتربت)، وكان يقرأ كثيراً بالقصار.