يتنازعني حديثان: أول حديث وجوب النصح لكل مسلم، ووجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والآخر: حديث الوعيد الشديد لمن يأمر بالمعروف ولا يأتيه، وينهى عن المنكر ويأتيه، فما الرد على هذا الإشكال؟
الجواب
عليك أن تجاهد نفسك حتى تعمل، وتكون أول الممتثلين للأوامر، وتجاهد نفسك حتى تكون أول المنتهين عن النواهي، ثم تأمر غيرك وتنهى عنه، لكن لو قدر أن إنساناً ما امتثل الأمر فلا يمنعه ذلك من أن يأمر غيره، ولو كان يفقه، وكذلك إذا لم ينته فإنه ينهى غيره، فالإنسان عليه واجبات، فيأمر نفسه بالمعروف ويأمر غيره بالمعروف، فإذا أخل بواحد منهما لا يسقط الثاني، فهما أمران: تأمر نفسك وتأمر غيرك، فإذا لم تأمر نفسك يبقى الأمر بغيرك.
والنهي: تنهى نفسك عن المنكر، وتنهى غيرك، فإذا لم تنته فإنك تنهى غيرك؛ ولهذا يقال: أصحاب الكئوس -أي: شاربي الخمر- ينهى بعضهم بعضاً، وهم يتنازعون الكئوس، وإن كان هذا أمر عظيم، كون الإنسان يأمر بالشيء ولا يفعله هذا من الكبائر، وقد نعى الله من يأمر الناس ولا يمتثل بقوله:{أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ}[البقرة:٤٤]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ}[الصف:٢ - ٣].
وقال الله عن شعيب عليه السلام:{وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ}[هود:٨٨].