للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولم يحضرني الآن مقابلة القرآن للشرك بالإخلاص (*)، ولكن فيه مقابلة النفاق الذي هو من شعب الشرك بأشياء منها الإِخلاص، وذلك قوله: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ} [النساء: ١٤٥ - ١٤٦].

وفائدة البحث عن مقابل كل من الشرك والكفر زيادة الكشف عن معناهما، وفضل التمكن من تصورهما تصوراً واضحاً.

وكما لا تقتضي الشركة لغة تساوي الشركاء في الحصص؛ لا يقتضي الشرك شرعاً مساواة الشريك لله في جميع صفاته أو في صفة منها، بل يسمى المرء مشركاً عند الشارع بإثباته شريكاً لله، ولو جعله دونه في القدرة والعلم مثلاً.

فأما حكايته تعالى عن المشركين قولهم: {تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: ٩٧ - ٩٨]، فالتسوية فيه تسوية في الطاعة والانقياد، لا في القدرة على الخلق والإِيجاد، فهي كآية البقرة: {يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ} [البقرة: ١٦٥].

إن الله جل وعلا لا يقبل أن يشرك به الأبرار ولا الفجار ولا الأشجار ولا الأحجار، ولا يرضى شركة عظيم في القدر والمنزلة؛ كمن أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، ولا شركة عظيم في الخلق والحجم، كالشمس والقمر وسائر الكواكب.

وقد رد القرآن كل شرك كيفما كان اعتباره من القوة والضعف:


(*) النفاق في الآية هو الأكبر، وفي [ص:٩٢] قال: (وهو كفر اتفاقاً)؛ فهو يضاد أصل الإخلاص في القلب.

<<  <   >  >>