الحق والباطل، والإِيمان والكفر، والسنة والبدعة، والهدى والضلالة، والخير والشر؛ كل أولئك في البشر قديم لا يختص بعصر ولا بمصر، وإنما يمتاز أحد الأزمنة أو بعض الأمكنة بغلبة أحد المتقابلين على الآخر؛ لأن لكل جهة دعاة إليها يدعون، وهداة بها يهدون، وأنصاراً لها يحمون، {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}[المؤمنون: ٥٣]، {وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ}[هود:: ١١٨ - ١١٩].
هذا عصره - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أزهر العصور، وهذه مدينته أكرم المدن، لم يخلوا من المنافقين أحط أصناف المبطلين.
وهذا جيل الصحابة وعهد الخلفاء الراشدين قد تلوثا بالمبتدعين، فقد حدثت البدع زمنهم من غيرهم؛ فكانت على الجهال ظلمة وفتنة، ولأولي الألباب نوراً ورحمة، فمصيبة الجهال فيها أنها قديمة وهم يقدسون كل قديم، ويرون أن ما تقدم جيلهم من الأجيال هو كمال خالص وخير محض، وفائدة العلماء منها الاستنارة بآثار السلف في إنكارها والاستعانة بأنظارهم في تخليص السنة منها.