للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الجوع والعطش في زيارة هؤلاء الرؤساء، ويألمون لذلك في الصيام لله، ويحجون بقلة، ويزورون سادتهم بكثرة، ويطوفون ببعض المزارات، ويوقتون لها الأوقات، ويجعلون أعداداً منها تقوم مقام الحج إلى البيت الحرام؛ فهل تفرق مع هذا [بين] (*) جاهلية عصر الوحي وجاهليه زمن الاستعباد والبغي؟!

• وجوه الشبه بين الوثنيتين: الحاضرة، والغابرة:

لا فرق بينهما في الجهل بما ينافي التوحيد، ولا في الابتلاء بالمبتدعين والدجالين، ولا في التبرك بالآثار احتماء من الأقدار، ولا في التقرب من الأحجار والنفور من المرشدين الأخيار، ولا في عصيان من خلقهم وعبادة ما نحتوه، ولا في افتراق الكلمة والانقسام إلى شيع متعادية، أما الذل والخوف والفقر، فحظ زماننا منها أوفر.

• علة الانحطاط الحاضر:

إن لم نخسر أنفسنا وبقي فيها مكان للإِنصاف وشعور بحب السلامة؛ اعترفنا بدائنا، وبحثنا عن دوائنا، ولا داء إلا ما نزل بالعقول من الجهالة، وران على القلوب من الضلالة؛ فلا علم بما يصحح العقيدة، ولا شعور بما يبعث على الفضيلة؛ إلا من رحم ربك، وقليل ما هم، وعلى قلتهم لم تعرفهم العامة فتحتذيهم في العقيدة (**) والسيرة، ومن عرفت منهم لم تعرف غير أسمائهم، فاكتفت بمجرد محبتهم، فهي لا تفتح أبصارها إلا على مناظر البدعة، واجتماعات التدجيل، ولا تعرف بصائرها إلا الاعتماد على البركات التي ألصقها الوهم ببعض الجمادات، أو من يرون لهم من الناس خصوصيات، ولا تعد من صالح أعمالها الذي تعده ليوم مالها إلا المبالغة في تعظيم آباء وشيوخ، وكل ما


(*) سقطت من ط ١.
(**) في الأصل: " العقد ".

<<  <   >  >>