للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ببعض العباد والمبالغة في تعظيمهم من غير وقوف عند حد مشروع؛ أصبح نظريّاً مستمدّاً من خطا العقل وخيال الفلسفة الشعرية؛ فإذا كان شرك قوم نوح يرجع إلى مظاهر الصلاح في الناس؛ فإن شرك قوم إبراهيم ناشئ عن أسرار الطبيعة ودقائق الفلك؛ فشرك الأولين من شرك التقريب والشفاعة، وشرك هؤلاء من شرك الأسباب والإِعانة، ولكن فيه روحاً من شرك التقريب أيضاً؛ لأن فيهم من يعبدون الأصنام التي تمثل لهم الكواكب باعتبارها واسطة بينهم وبين الله، وهؤلاء يستعظمون التوجه لله من غير واسطة.

قال ابن النديم في " الفهرست ": " ويقول بعضهم: إنه إذا قرب باسم الباري كانت دلالة القربان رديئة؛ لأنه عندهم تعدٍّ إلى أمر عظيم، وترك ما هو دونه لما جعله متوسطاً في التدبير " [ص:٤٤٣}.

• دعوة إبراهيم للكلدان وما لقي منهم:

هؤلاء الكلدانيون هم الذين بعث الله إليهم خليله إبراهيم عليه السلام، وحاجَّهم، فلم يدافعوه بغير التقليد لآبائهم، ونبههم إلى صفات المعبود بسؤالهم عن قدرة أصنامهم على النفع والضر وسماع من يستغيثها وتكليمهم، فاعترفوا بعجزها، ولكن حملتهم الحميَّة على الانتقام لها؛ كما تساءل عن أكل تلك الأصنام لما يقدم لها؛ تنبيهاً على خطل رأي فاعليه.

ففي الصافات: {فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ * مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ * فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ * فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ * قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ * وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: ٩١ - ٩٦]، ومعنى (راغ): مال، و (يزفون): يسرعون.

والمعنى: أن إبراهيم كسر الأصنام بعد سؤاله لها سؤال استخفاف، فأسرع إليه عبدتها منكرين، فوبخهم على عبادتهم لما صنعوه بأيديهم.

<<  <   >  >>