أما بعد؛ فإن حقّ الله على عباده أن يعبدوه لا يشركوا به شيئاً، وإن نسبة الشرك من التوحيد نسبة الليل من النهار والعمى من الإِبصار، يعرض للأمم الموحدة كما يعرض الظلام للضياء، ويطرأ عليها كما تطرأ الأسقام على الأجسام؛ غير أن الظلام باعث لنوم الأبصار لإِفادة الراحة للأشباح، أما الشرك، فعلة لنوم البصائر، الموجب لشقاء الأرواح.
وإذا كان حفظ الصحة بالغذاء والدواء، فإن حفظ التوحيد بالعلم والدعوة، ولا يحفظ التوحيد علم كعلم الكتاب والسنة، ولا تجلّي الشرك دعوة كالدعوة بأسلوبهما.
• أثر إهمال الدعوة بالكتاب والسنة:
وقد مرت أعصر أهمل جلّ العلماء فيها شأن الدعوة، أو حادوا فيها عن أسلوب القرآن والحديث؛ فجهل جمهور المسلمين عقائد الإِسلام، أو خفي عليهم ما ينافيها، وطال عليهم الأمد، فطرأ عليهم ما طرأ على الأمم قبلهم من عقائد زائفة وبدع سائدة، حتى ظنوا الإِسلام جنسية تتمشى مع الأنساب، لا أنه عقائد وآداب تنال بالتلقين والاكتساب؛ فإن منَّ الله عليهم بمن يتلو عليهم الكتاب ويعظهم بآياته، كانوا أشبه حالًا بالذين وصفهم الله بقوله:{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا}[الحج: ١٧٢] بل كم سطوا!! وبفسادهم اغتبطوا!!
• حياطة الدين وحفظه:
أفضت أمة خاتم النبيين إلى ما أفضت إليه أمم الأنبياء الأولين؛ فكانوا {كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ