ولا أعلم الآن متى نشأت هذه الغفارة، وإن كان من الضروري أنها ولدت في ظلام الجهل وعصر الانحطاط الديني، وحضنها رؤساء جهال بالدين، لا يتميزون من العامة إلا بأوضاع ورسوم مخترعة، ثم أقرها علماء اتخذوا علمهم أداة تقرب من أولئك الرؤساء وبضاعة ارتزاق من العامة، واختنق بذلك صوت من كان هواه تبعاً لما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وهكذا وجدت أسباب الشرك وتعددت وتمكنت مظاهره وتمددت.
• كيف حدثت الغفارة:
ولا أدري كيف حدثت الغفارة؛ إلاّ أن ابن خلدون ذكر قبائل مستوطنة وطن الجزائر كانت قوية تأخذ لقوتها الحربية خفارة من أخرى ضعيفة عن حماية نفسها من أعدائها، ولفظ الخفارة لا يفترق من الغفارة إلا بالحرف الأول، وهو حلقي، وكثيراً ما تبدل حروف الحلق بعضها من بعض، وفي لساننا العامي:" حراق الماء "، بمعنى: أراق وهراق، وما زالت الخفارة الحربية معروفة في بعض نواحينا، ويقولون فيها: الغفارة، ويضيفونها إلى العظمة أو الأعظمية، فيقولون: غفارة الأعظمية، فالظاهر أن منشأ الغفارة الدينية من الغفارة الحربية؛ فإن الأسر الماجدة إذا ذهب الزمان بشرفها الحربي تنتحل المجد الديني، وما كانت تأخذه بالسيف تصبح متطلبة له بدعوى التصرف بالغيب؛ فالغفارة بعد أن كانت ضريبة للقبائل الحربية على من ضعف في ساحة الوغى؛ أصبحت غفارة على من ضعف اتكاله على الله لمن ادعى العزة مع ربه بلسان الحال أو بلسان المقال، فكان أصلها الحماية من الأشرار، وصارت للوقاية من الأقدار.
• معنى الخفارة واجتماعها مع الغفارة:
قال في " الصحاح ": " الخفير: المجير. خفرت الرجل أخفر- بالكسر-