للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

• بحث في مستند الرازي في ذلك التأويل:

وليس في أدلته تلك ما يفيد تخصيص الآية:

أما أولاً، فإنها معارضة بكثرة الظواهر التي تخص الله بعلم الغيب، وذلك يفيد العموم؛ كما قدمنا عن " الموافقات ".

وأما ثانياً؛ فإن تلك الوجوه التي جلبها ليست من علم الغيب.

أما الكهانة، فيختلط حقها بباطلها، وذلك يمنع من إطلاق العلم عليها، وكذلك ما لم يضبط من أحكام النجوم، وما ضبط منها بالحساب لم يبق في طي الغيب عند العارفين بقواعده.

وأما التعبير والإِلهام؛ فهما من غير المعصوم غير معصومين من الخطأ، فلا يسميان علماً ما داما في الغيب، فإذا تحققا في الخارج، وصدق عليهما وصف العلم؛ ارتفع عنهما حكم الغيب، فإلهام الولي ورؤياه لا يتناولهما علم الغيب، وهذا بخلاف رؤيا الأنبياء وإلهاماتهم، فإنها حق يصدق عليها علم الغيب بإعلام الله لهم.

وقد جعل رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رؤيا الأولياء جزءً ضعيفاً من النبوة، نازلاً عنها بخمسة وأربعين جزءً، فقال: «الرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ مِنَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ» (٦٣). أخرجه مالك والبخاري.

• الباعث على تأويل المتأولين لنصوص اختصاص الله بعلم الغيب:

وقد عد بعض المتكلمين في كرامات الأولياء رؤاهم وإلهاماتهم في علم الغيب، وكثرت عندهم، حتى قامت مقام التواتر المعنوي، فلم يجدوا بدّاً من


(٦٣) أخرجه مالك في " الموطأ " (٤/ ٣٥٠/ ١٨٤٥)، ومن طريقه البخاري في " صحيحه " (١٢/ ٣٦١/ ٦٩٨٣) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.

<<  <   >  >>