للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولم ينطق المشركون بالشهادتين لما دعاهم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لأنهم عالمون بمعناهما، ويرون النطق بهما التزاماً لما يدعو إليه الرسول، ونبذاً لما يخالف دعوته، وقد أصابوا في هذا الرأي، ثم اختاروا بعد ذلك الرأي الناشئ عن العلم باللغة ومعاني الكلام التمسك بما وجدوا عليه آباءهم، وقد أخطأوا في هذا الاختيار، ولو رأوا مجرد التشهد كافياً في رفع وصف الشرك عنهم مع بقائهم على عقائدهم الباطلة وعوائدهم القبيحة؛ لأقروا واستراحوا؛ فإن عظماءهم لم يكونوا يأنفون من سيادة من لقبوه الأمين، ففي " سيرة ابن هشام " أن أبا الوليد عتبة بن ربيعة قال في مجمع قريش:

• تعظيم مشركي قريش للرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:

يا معشر قريش! ألا أقوم إلى محمد فأكلّمه وأعرض عليه أموراً لعله يقبل بعضها؛ فنعطيه أيها شاء، ويكفّ عنا؛ فقالوا: قم إليه؛ فكلمه. فجاء النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقال له: يا ابن أخي! إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالًا؛ جمعنا لك من أموالنا، حتى تكون أكثرنا مالًا، وإن كنت إنما تريد به شرفاً؛ سوَّدناك علينا، حتى لا نقطع أمراً دونك، وإن كنت تريد به ملكاً؛ ملّكناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك رئياً (جنيّاً) تراه لا تستطيع رده عن نفسك؛ طلبنا لك الطب، وبذلنا فيه أموالنا، حتى نبرئك منه؛ فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه (أو كما قال له) ... حتى إذا فرغ عتبة، ورسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يستمع منه؛ قال: «أقد فرغت يا أبا الوليد؟». قال: نعم. قال: «فاستمع مني». قال: أفعل. فقال: «{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * حم * تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ


=
أسلمنا-. فصوَّب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِعْل ابن عمر - رضي الله عنه - وحكم بإسلامهم وتبرأ من فِعْل خالد، وقد عنون له مجد الدين ابن تيمية- جد شيخ الإسلام- في " المنتقى " بـ (الحكم بإسلام من كنَّى مع النية).
قارن هذا بما ذكره المؤلف يظهر لك الصواب، وما ذكرته استفدته من كلام الشيخ الألباني - حفظه الله وعفا عنه وجعله ذخراً للإسلام والمسلمين-.

<<  <   >  >>