وفصَّل محمد عبده هذا المعنى أول سورة النازعات من تفسير جزء عم؛ فقال:" جاء في الكتاب العزيز ضروب من القسم بالأزمنة والأمكنة والأشياء، والقَسَم إنما يكون بشيء يخشى المقسم إذا حنث في حلفه به أن يقع تحت المؤاخذة، نعوذ بالله أن يتوهم شيء من هذا في جانب الله، وما كان الله جل شأنه يحتاج في تأكيد أخباره إلى القسم بما هو صنعُ قدرته؛ فليس لشيء في الوجود قدر إذا نسب إلى قدره الذي لا يقدره القادرون، بل لا وجود لكائن إذا قيس إلى وجوده إلا أنه انبسط عليه شعاع من أشعة ظهوره جل شأنه.
ولهذا قد يسأل السائل عن هذا النوع من تأكيد الخبر الذي اختص به القرآن وكيف يوجد في كلام الله؟!
فيجاب بأنك إذا رجعت إلى جميع ما أقسم الله به؛ وجدته إما شيئاً أنكره بعض الناس، أو احتقره لغفلته عن فائدته، أو ذهل عن موضع العبرة فيه وعمي عن حكمة الله في خلقه، أو انعكس عليه الرأي في أمره فاعتقد فيه غير الحق الذي قرر الله شأنه عليه، فيقسم الله به: إما لتقرير وجوده في عقل من ينكره، أو تعظيم شأنه في نفس من يحقره، أو تنبيه الشعور إلى ما فيه عند من لا يذكره، أو لقلب الاعتقاد في قلب من أضله الوهم أو خانه الفهم ".
وقد قفى رحمه الله على هذا البيان بتطبيق الجواب على بعض الأشياء المقسم بها؛ كالقرآن، ويوم القيامة، والنجوم.
• تأويل ما في السنة من الإِقسام بالمخلوق:
وأما ما ورد في السنة، فقد أبدى فيه الخطابي في " معالم السنن " أربعة أوجه، وزاد عليه الحافظ في " الفتح " وجهين آخرين، ونحن نقتصر على الوجهين الأولين في كلام الخطابي، وقد صدر في " الفتح " بثانيهما، وذكر أن البيهقي جنح إليه، وأن النووي ارتضاه (١١/ ٤٥٢).