إن الأمّة متى فقدت العالم البصير، والدليل الناصح، والمرشد المهتدي، تراكمت على عقولها سحائب الجهالات، وران على بصائرها قبائح العادات، وسهل عليها الإِيمان بالخيالات؛ فانقادت لعالم طماع، وجاهل خداع، ومرشد دجال، ودليل محتال، وازدادت بهم حيرتها، واختلت سيرتها، والتبست عليها الطرائق، وانعكست لديها الحقائق؛ فتتهم العقل، وتقبل المحال، وتشرد من الصواب، وتأنس بالسراب ... هذا يتقدم إليها بما له [مِنْ] أسباب خفية؛ فتراه تصرفاً في الكون، وذلك يلقي إليها بأقوال مجملة ينزلها كل سامع على ما في نفسه، فتراه من علم الغيب، وتقول:" سيدي فلان جاء بالخبر "، ثم نجد من تسميه عالماً يثبت قدمها في هذا الخبال، ويزعم لها أن الحقيقة في هذا الخيال ...
وفي مثل هذه الحالة جاء حديث " الصحيحين " عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا ; اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَّلُوا