عمر وابنه لم يتواردا على التبرك بآثاره - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ومنزلتهما عظيمة في العلم والدين ومحبة أكرم المرسلين.
ثم التبرك حيث أثبت في روايات الإِثبات؛ فإنما المقصود منه طلب الزيادة في ثواب الطاعة.
قال الباجي في " المنتقى " موجهاً إعلامه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأمته بقصة وادي السرر:" وإنما أعلم بذلك - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيما يظهر إلي والله أعلم لفضل الذكر عندها لمن مر بها، ورجاء إجابة الدعاء، وتنزل الرحمة عندها "(٣/ ٨١).
والتبرك على هذا الوجه عندي معقول لأن ذكرى الأنبياء والصالحين ورؤية آثارهم مما يزيد الموحدين خشوعاً وتعريفاً بتقصيرهم في طاعة خالقهم، فتخلص بذلك عبوديتهم لله تعالى، وحينئذ تكون الإِثابة على عبادتهم أسمى، وقبول دعائهم أرجى، وطمعهم في تنزل الرحمة أقوى، وروايات نفي التبرك غير معارضة لروايات إثباته بهذا المعنى، لأن النافين إنما يقصدون الاحتياط على عقائد العامة أن تزيغ كما سبق في توجيه مخاطبة عمر للحجر الأسود، وأنه قطع الشجرة خوف الفتنة، وأنه حذرهم أن يهلكوا بتتبع الآثار هلاك أهل الكتاب.
• الاحتياط:
والاحتياط من الضلال مشروع؛ ففي " الموطأ " و " الصحيحين " عن عائشة رضي الله عنها؛ أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:«أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ قَوْمَكِ حِينَ بَنَوُا الْكَعْبَةَ اقْتَصَرُوا عَنْ قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ». قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَفَلَا تَرُدَّهَا عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَوْلَا حِدْثَانُ قَوْمِكِ بِالْكُفْرِ؛ لَفَعَلْتُ»(٤٦).
(٤٦) أخرجه البخاري (٣/ ٤٣٩/ ١٥٨٣) عن عبد الله بن مسلمة، ومسلم (٢/ ٩٦٩ / ١٣٣٣ - ١٣٩٩) عن يحى بن يحى، كلاهما عن مالك، وهذا في " الموطأ " (٢/ ٢٩٧ - ٣٠٠/ ٨٢٤) من حديث عائشة رضي الله عنها.