" بيَّن سبحانه أنه لا يحصل ذلك التمييز بأن يطلعكم الله على غيبه، فيقول: إن فلاناً منافق وفلاناً مؤمن، وفلاناً من أهل الجنة وفلاناً من أهل النار؛ فإن سنة الله جارية بأنه لا يطلع عوام الناس على غيبه، بل لا سبيل لكم إلى معرفة ذلك الامتياز إلا بالامتحانات، مثل ما ذكرنا من وقوع المحن والآفات، حتى يتميز عندها الموافق من المنافق؛ فأما معرفة ذلك على سبيل الاطلاع من الغيب، فهو من خواص الأنبياء، فلهذا قال:{وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ}[آل عمران: ١٧٩] "(٣/ ١٥٥).
• تأويل الرازي لآية الجن:
وتأول آية سورة الجن على التخصيص، وصرفها عن العموم لكل المغيبات، واستدل لتأويله بأربعة أمور:
الأول: صدق بعض أخبار شق وسطيح الكاهنين قبل الإِسلام، وشيوع ذلك عنهما في العرب.
ثائيها: اعتبار جميع الملل والأديان لعلم التعبير الذي فيه الإِخبار بالمغيبات.
ثالثها: صدق أخبار مغيبة وقعت من الكاهنة البغدادية التي نقلها السلطان سنجر بن ملك شاه من بغداد إلى خراسان.
رابعها: تحقق إلهامات وقعت من الأولياء وغيرهم من السحرة، ومطابقة بعض الأحكام النجومية.
هكذا رتب أدلته، وحقه إدخال الدليل الثالث في الأول؛ لشمول الكهانة لهما، ثم تفصيل الرابع إلى دليلين، لأن أحكام النجوم غير الإِلهامات؛ فلا يجمعهما دليل واحد.