للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إِنَّهُمْ قَدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ، فَأَقُولُ!: فَسُحْقًا، فَسُحْقًا، فَسُحْقًا» (١٦٣).

• محمل ما جاء في نفي الشفاعة:

فمن تعلق بالمخلوق وتقرب إليه ليشفع له عند الله، وظن تعلقه ذلك تعظيماً لذلك المخلوق يرضاه الله؛ فقد آذنه الله ورسوله بخطأ ظنه وفساد تقربه، وأن في ذلك التعلق تنقيصاً لله يتنزه عنه.

ذلك أن الجاهلين بالله من أهل الكتاب والمشركين يقيسون أحوال الآخرة على أحوال الدنيا، وأحكام الله على أحكام الملوك؛ فإذا كان المجرم في الدنيا قد ينجو من سطوة القانون وقضاء الحاكم عليه بشفاعة وجيه عنده؛ كان المجرم في الآخرة قد ينجو من عذاب الله بشفاعة نبي أو ملك أو ولي.

وهو قياس فاسد نقلاً وعقلاً:

أما النقل، فما تقدم من نفي الشفاعة لمن رجوها من غير الله وبلا سببها المشروع.

وأما العقل؛ فإن كل مؤمن بالله يعتقد أنه محيط بكل شيء علماً، وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه يفعل ما يفعل حكمة ورحمة لارغبة ولا رهبة، وملوك الدنيا يجهلون كثيراً من أحوال قصورهم؛ فضلًا عما نأى عنهم، ويريدون الشيء ثم يرجعون عنه، ويرغبون في إرضاء أعيان دولتهم ويرهبون إسخاطهم.

والشفاعة إلى الله دعاء يفعل الله عقبه ما سبق في علمه وإرادته أن سيفعله، وقبولها من الشفيع تكرمة له ورحمة بالمشفوع، وأما الشفاعة إلى ملوك


(١٦٣) أخرجه مالك في " الموطأ " (١/ ٦٢ - ٦٥/ ٥٧ - شرح الزرقاني)، ومسلم في " صحيحه " (١/ ٢١٨/ ٢٤٩) عن أبي هريرة.

<<  <   >  >>