للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلا ضرورة بنا إلى الترجيح.

ذلك أن عصر المنازعات بين بني إسماعيل الذي حدث فيه التبرك بحجارة الحرم قبل أيام عمرو بن لحي إنما وقع فيه ذلك التبرك من النازحين عن الحرم، المتقلبين في البوادي، فكان ذلك التبرك ذريعة إلى الوثنية في بعض بني إسماعيل ومن رأى رأيهم من القبائل البادية النائية عن الحرم.

أما وثنية عمرو بن لحي التي نقلها من الشام؛ فأظهرها بالحرم نفسه، وفرقها في الحجاج، فلم تكن قبله أصنام بالحرم حينما كان بنو إسماعيل ينقلون حجارته للطواف بها، ولو كانت به يومئذ أصنام؛ لقدموا نقلها على نقل مطلق الحجارة، وتقدم هذا الطواف بالحجارة خارج الحرم هو الذي سهل على عمرو ابن لحي إعلان الوثنية داخله وخارجه؛ إذ لو لم يأنس الناس قبله بمبادئ الوثنية؛ ما قبلوها منه لمّا دعاهم إليها؛ فبنو إسماعيل أول من ابتدع في العرب مبادئ الوثنية، ولكن على وجه ضعيف غير مشتهر ولا منتشر، وعمرو بن لحي أول من ابتدع فيهم صريح الوثنية على وجه قوي.

وبصفة عامة هذا وجه الجمع عندي بين حديث المعصوم وخبر النقلة، وإطلاق القول بأن عمرو بن لحي أول من غير دين إسماعيل صحيح؛ نظراً لكونه الرئيس المطاع بالحرم، والحرم معقل الدين، وبأهله يقتدي سواهم؛ فظهور الوثنية منه هو الذي سهل تعميمها في سائر الأحياء والقبائل، وضمن لها الحياة والرسوخ؛ كما أن إسلام الحرم بعد فتح مكة هو الذي عمم هذا الدين بين العرب، وسهل عليهم مفارقة ما ألفوه في جاهليتهم؛ فلولا ابتداع عمرو بن لحي؛ لبقي الحرم سالماً من الوثنية، فلم يكن لظهور مباديها ببعض البوادي شأن، ولم ترسخ عروقها في الجهات التي ظهرت بها، ولم تقو على الانتشار منها إلى جهات أخر، ولم تتعاص على أي محارب لها؛ فكان المسؤول عن هذه الوثنية هم أهل الحرم، والمسؤول عنهم هو رئيسهم عمرو بن لحي؛ فكان هو

<<  <   >  >>