المعبد سهل على المارة، وتفسير العبادة بالانقياد والخضوع لأنهما لازمان للذل والسهولة، وتفسيرها بالطاعة توسع.
والعبارة المُعْرِبة عن العبادة هي ما يعبر عنه الجمع بين كلام " المصباح " أوله وآخره، وهو الانقياد والخضوع على وجه التقرب، وثانياً: أن سببها الذي تستحق به هو الإِنعام والإِفضال، وثالثاً: أن شرطها معرفة المعبود، ورابعاً: أن مستحقها هو الله وحده.
والتعريف الذي استخلصناه من " المصباح " يتضمن ذلك كله؛ فإن الانقياد والخضوع إلى أحد يبعث عليهما الرغبة فيما يملك من نعمة، والتقرب إليه يستدعي معرفته، ثم من اعتقد انفراد الله بالنعم؛ تقرب إليه وحده بالعبادة، ومن جهل فظن غير الله منعماً بشيء، اعتقد استحقاقه أيضاً للعبادة، فوقع في الشرك، فكان هذا التعريف أصدق عبارة عن معنى العبادة.
وترى الشيخ محمد عبده في " تفسير المنار " يتبرم من قصور عبارة المتقدمين عن تحديد معنى العبادة، ويطيل القول في تقرير ذلك القصور، ثم يجهد نفسه في استخراج معناها من تتبع آي القرآن وأساليب اللغة واستعمال العرب، فإذا هو لا يخرج عند التأمل عن التعريف الذي ذكرنا، ولكن ننقل من كلامه ما يصلح إيضاحاً وافياً لتعريفنا، ونرضى عن طوله لبلاغته وعظم فائدته.
قال رحمه الله: " تدل الأساليب الصحيحة والاستعمال العربي الصراح على أن العبادة ضرب من الخضوع بالغ حد النهاية، ناشئ عن استشعار القلب عظمة للمعبود لا يعرف منشأها، واعتقاده بسلطة له لا يدرك كنهها وماهيتها، وقصارى ما يعرفه منها أنها محيطة به، ولكنها فوق إدراكه؛ فمن ينتهي إلى أقصى الذل لملك من الملوك لا يقال: إنه عبده، وإن قبل موطئ أقدامه، ما دام سبب الذل والخضوع معروفاً، وهو الخوف من ظلمه المعهود، أو الرجاء