للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يُسَبِّحُ حَتَّى عُرِفَ ذَلِكَ فِي وُجُوهِ أَصْحَابِهِ، ثُمَّ قَالَ: «وَيْحَكَ! إِنَّهُ لَا يُسْتَشْفَعُ بِاللَّهِ عَلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ، شَأْنُ اللَّهِ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ ... " الحديث (١٤٣).

وإنما امتنع الاستشفاع بالله، لأن الشفيع سائل، والله مسؤول لا سائل، ثم الشفيع في أصل اللغة ليس على المشفوع إليه أن يطيعه بقبول شفاعته، ففي حديث بريرة رضي الله عنها، أنها لما عتقت، وخيرها النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في فراق زوجها مغيث؛ اختارت فراقه، فجعل مغيث يبكي من حبه إياها، حتى رق له النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ لِبَرِيرَة: «لَوْ رَاجَعْتِهِ؟». فَقَالَتْ: تَأْمُرُنِي؟ فَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّمَا أَنَا شَافِعٌ». قَالَتْ: فَلَا حَاجَةَ لِي فِيهِ (١٤٤). أخرجه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما، فلو قال لها - صلى الله عليه وسلم -: آمرك؛ لراجعت زوجها مغيثاً، ولمّا كانت الشفاعة لا تحمل معنى الأمر، بل تترك الاختيار للمشفوع إليه؛ أصرت على اختيارها الفراق؛ فلا جرم كانت الشفاعة إلى أحد مما يجلّ عنه مقام الألوهية.


(١٤٣) ضعيف: أخرجه أبو داود (٢/ ٢٧٦) من طريق محمد بن إسحاق يحدّث عن يعقوب بن عتبة عن جبير بن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه عن جدّه قال: أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعرابيّ ... فذكره، وزاد: " ويحك؛ أتدري ما الله؟ إن عرشه على سماواته لهكذا- وقال: بأصبعه- مثل القبة عليه وإنه ليئط به أطيط الرحل بالراكب ".
وسنده ضعيف: ابن إسحاق مدلّس وقد عنعنه، فلا يقبل حديثه إلّا إذا صرح بالتحديث، وجبير بن محمد أورده ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (٢/ ٥١٣)، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلًا سوى رواية يعقوب بن عتبة وحصين بن عبد الرحمن عنه! وفي " التقريب ": " مقبول " يعني عند المتابعة،! وإلّا؛ فليّن الحديث كما نص عليه في المقدّمة، والله أعلم.
انظر: " مختصر السنن " (٧/ ٩٧ - ١٠١) للمنذري، و " ظلال الجنة " (١/ ٢٥٢ - ٢٥٣/ ٥٧٥ و٥٧٦) للألباني، و " تفسير ابن كثير " (١/ ٥٥٠).
(١٤٤) أخرجه البخاري (٩/ ٤٠٨/ ٥٢٨٣) عن ابن عباس.

<<  <   >  >>