ولا يصرف عنهم ضرّاً، ولا يرد شيئاً قضاه الله؛ يقول: فلا تنذروا على أنكم تدركون بالنذر شيئاً لم يقدره الله لكم، أو تصرفون عن أنفسكم شيئاً جرى القضاء به عليكم " (٤/ ٥٣).
وعلى الحالة الثانية حمله الباجي في " المنتقى "، فقال: " إنما معنى ذلك أن تنذر لمعنى من أمر الدنيا، مثل أن تقول: إن شفى الله مريضي، أو قدم غائبي، أو نجاني من أمر كذا، أو رزقني كذا، فإني أصوم يومين، أو أصلي صلاة، أو أتصدق بكذا، فهذا المكروه المنهي عنه " (٣/ ٢٢٨).
وأباح ابن رشد في المقدمات هذه الحالة، وفي قوله وقول الباجي يقول خليل: " وفي كره المعلق قولان ".
وذكر القرطبي في " المفهم " الحالتين، فنقل عنه الحافظ في " الفتح " أنه قال: " هذا النهي محله أن يقول مثلاً: إن شفى الله مريضي، فعليَّ صدقة كذا. ووجه الكراهة أنه لما وقف فعل القربة المذكور على حصول الغرض المذكور؛ ظهر أنه لم يتمحض له نية التقرب إلى الله تعالى؛ لما صدر منه، بل سلك فيها مسلك المعاوضة، ويوضحه أنه لو لم يشف مريضه؛ لم يتصدق بما علقه على شفائه، وهذه حالة البخيل؛ فإنه لا يخرج من ماله شيئاً إلا بعوض عاجل يزيد على ما أخرج غالباً، وهذا المعنى هو المشار إليه في الحديث بقوله:«وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِالنَّذْرِ مِنَ البَخِيلِ»؛ ما لم يكن البخيل يخرجه.
قال: وقد ينضم إلى هذا اعتقاد جاهل يظن أن النذر يوجب حصول ذلك الغرض، أو أن الله يفعل معه ذلك الغرض لأجل ذلك النذر، وإليهما الإِشارة بقوله في الحديث أيضاً:«فَإِنَّ النَّذْرَ لَا يَرُدُّ مِنْ قَدَرِ اللهِ شَيْئًا»، والحالة الأولى تقارب الكفر، والثانية خطأ صريح.