للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأَسْرَعْتُ في دِيني وَلَمْ اقْضِ بُغْيَتي ... هَرَبْتُ بِدِيْني مِنْكِ إِنْ نَفَعَ الْهَرَبْ

تَخَلْيْتُ مِما فيكِ جُهْدي وَطاقَتي ... كَما يَتَخَلّى الْقَوْمُ مِنْ عَرَّةِ الْجَرَبْ

فَما تَمَّ لي يَوْمًا إِلى اللَّيْلِ مَنْظَرٌ ... أُسَرُّ بِهِ لَمْ يَعْتَرِضْ دونَهُ شَغَبْ

وَإِنّي لَمِمَّنْ خَيَّبَ اللهُ سَعْيَهُ ... إِذا كُنْتُ أرْعى لَقْحَةً مُرَّةَ الْحَلَبْ

أرى لَكَ أنْ لا تَسْتَطيبَ لِخِلَّةٍ ... كَأَنَّكَ فيها قَدْ أمِنْتَ مِنَ الْعَطَبْ

ألَمْ تَرَها دارَ افْتراقٍ وَفَجْعَةٍ ... إِذا ذَهَبَ الإِنْسانُ فيها فَقَدْ ذَهَبْ

أُقَلِّبُ طَرْفي مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ ... لأَعْلَمَ ما في النَّفْسِ وَالْقَلْبُ يَنْقَلِبْ

وَسَرْبَلْتُ أخْلاقي قُنوعًا وَعِفَّةً ... فَعِنْدي بِأَخْلاقي كُنوزٌ مِنَ الذَّهَبْ

فَلَمْ أَرَ خُلْقًا كَالْقُنوعِ لأَهْلِهِ ... وَأنْ يُجْمِلَ الإِنْسانُ ما عاشَ في الطَّلَبْ

وَلَمْ أرَ فَضْلاً تَمَّ إلاَّ بِشِيمَةٍ ... وَلَمْ أَرَ عَقْلاً صَحَّ إلاَّ عَلَى أَدَبْ

وَلَمْ أَرَ في الأَعْداءِ حِيْنَ خَبَرْتُهُمْ ... عَدْوًّا لِعَقْلِ الْمَرْءِ أَعْدَى مِنَ الْغَضَبْ ...

وَلَمْ أرَ بَيْنَ الْيُسْرِ وَالْعُسْرِ خُلْطَةً ... وَلَمْ أرَ بَيْنَ الْحَيِّ وَالْمَيْتِ مِنْ سَبَبْ

وقال رحمه الله:

نُنافِسُ في الدُّنْيا وَنَحْنُ نَعيبُها ... لَقَدْ حَذَّرَتْناها لَعَمْري خُطوبُها

وَما نَحْسَبُ السّاعاتِ تُقْطَعُ مُدَّةً ... على أنَّها فينا سَريعٌ دَبيبُها

وِإنّي لِمَمَّنْ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَالْبِلى ... ويُعْجِبُني رَوْحُ الْحَيَاةِ وطيبُها

فَحَتّى مَتى حَتّى مَتى وإلى مَتى ... يَدومُ طُلوعُ الشَّمْسِ ثُمَّ غُروبُها

أيَا هادِمَ اللَّذاتِ ما مِنْكَ مَهْرَبٌ ... تُحاذِرُ نَفْسي مِنْكَ ما سَيُصيبُها

كَأني بِرَهْطي يَحْمِلونَ جَنازَتي ... إلى حُفْرَةٍ يُحثى عَلَيَّ كَثيبُها

فَكَمْ ثَمَّ مِنْ مُسْتَرْجِعٍ مُتوجِّعٍ ... وباكِيَةٍ يَعْلو عَلَيَّ نَحيبُها

وداعِيَةٍ حَرَّى تُنادي وإِنَّني ... لَفي غَفْلَةٍ عَنْ صَوْتِها ما أُجيبُها

رَايْتُ الْمَنايا قُسِّمتْ بَيْنَ أنْفُسٍ ... وَنَفْسي سَيَأْتي بَعْدَهُنَّ نَصيبُها

<<  <  ج: ص:  >  >>