للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

نشطة، أشعلها الإسلام فى أتباعه، فأصبحوا يتقربون إلى الله تعالى بأن يزدادوا فى كل يوم علما، وخير العلوم-قطعاً- ما كان متعلقاً بالقران والسنة.

وبذلك ثبت أن تدوين السنة قام على أساس المكتوب فى عصر النبى - صلى الله عليه وسلم -، وبإذن منه - صلى الله عليه وسلم -، وأن السنة قد بدأت كتابتها منذ عصر النبى - صلى الله عليه وسلم - إلى زمن تدوينها تدويناً رسمياً أصبح حقيقة علمية مؤكدة ثبتت بالبراهين القطعية، وتضافرت على إثبات هذه الحقيقة الساطعة أقوال جملة من الباحثين الثقات الأثبات (١).

كالدكتور محمد عجاج الخطيب فى كتابه "السنة قبل التدوين" والدكتور محمد مصطفى الأعظمى فى كتابة: "دراسات فى الحديث النبوى"، والدكتور امتياز أحمد فى كتابه: "دلائل التوثيق المبكر للسنة والحديث"، والدكتور رفعت فوزى عبدالمطلب فى كتابه: "توثيق السنة فى القرن الثانى الهجرى أسسه واتجاهاته) وغيرهم.

نماذج من أشهر ما كتب من السنة النبوية فى حياة النبى - صلى الله عليه وسلم - وبعده إلى زمن التدوين الرسمى:

١ - ما ورد عن أبى هريرة - رضي الله عنه -: أنه لما فتح الله - عز وجل - على رسوله - صلى الله عليه وسلم - مكة قام الرسول - صلى الله عليه وسلم - وخطب فى الناس، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ اليَمَنِ، يُقَالُ لَهُ أَبُو شَاهٍ، فَقَالَ: اكْتُبْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " اكْتُبُوا لِأَبِي شَاهٍ " (٢).

٢ - وأيضاً كتابه - صلى الله عليه وسلم - فى الصدقات والديات والفرائض والسنن، الذى أرسله إلى عمرو بن حزم (٣)، حين بعثه إلى اليمن، أخرجه النسائى، وأبو عبيد القاسم في الأموال (٤).

٣ - وَكَتَبَ أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - لأنس بن مالك - رضي الله عنه - فرائض الصدقة، الذى سنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما وجهه إلى البحرين" (٥).

٤ - وكتب عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - إلى الصحابي الجليل عُتْبَةَ بْنَ فَرْقَدٍ - رضي الله عنه - بأذربيجان كتاباً فيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الحرير إلا هكذا، وأشار بأصبعيه اللتين تليان الإبهام" (٦).

ومع أن الفاروق عمر كان يوصف بأنه واحد من أشد المعارضين لكتابة الحديث، ومنع تدوينها، إلا أننا على العكس نراه أول متثبت لكتابة الأحاديث بهمِّه بتدوين السنة المطهرة.

فكان أول مقترح بتدوينها حفاظاً لها كما كان أول مقترح بتدوين القرآن الكريم تدويناً عاماً فى مكان واحد حفاظاً لكتاب الله - عز وجل -، زمن أبو بكر الصديق - رضي الله عنه -. ففى همِّه بكتابة السنة، ليس مجرد الكتابة! فهى كانت مكتوبة. وإنما المراد بالكتابة تدوينها تدويناً عاماً فى مكان واحد.

وكان أبى بكر وعمر- رضى الله عنهما- من أنصار تدوين السنة!.

فعمر - رضي الله عنه - عندما همَّ بتدوين السنة استشار فى ذلك أهل الحل والعقد فلم يتردد واحد منهم فى


(١) تيسير اللطيف الخبير فى علوم حديث البشير النذير للدكتور مروان شاهين ص ٦٨ بتصرف ٠
(٢) الحديث بطوله ونص الخطبة فى صحيح البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب العلم، باب كتابة العلم ١/ ٢٤٨ رقم ١١٢.
(٣) هو: عمرو بن حزم بن عبد عوف الأنصارى الخزرجى، ثم البخارى، كنيته أبو الضحاك، وأول مشاهده الخندق ٠ وهو ابن خمس عشرة سنة، واستعمله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أهل نجران سنة ١٠ هـ بعد أن بعث إليهم خالد بن الوليد، فأسلموا، وكتب له كتاباً فيه الفرائض، والسنن، والصدقات، والديات ٠ مات بالمدينة سنة ٥١، وقيل: ٥٣، وقيل: ٥٤ هـ ٠ له ترجمة فى: الإصابة: (٥٨١٠)، واسد الغابة: (٣٩٠٥)، والاستيعاب: (١٩٠٧).
(٤) النسائى فى سننه كتاب القسامة، رقم ٤٨٥٣ - ٤٨٥٩، والأموال ص ٣٥٨ - ٣٦٢، وانظر: دلائل التوثيق المبكر للسنة ص ٣٦٨ وما بعدها ٠ ذكر كثير من الكتابات والصحف التى كتبت فى عهده - صلى الله عليه وسلم -، وانظر: "مكاتيب الرسول" للأستاذ على الأحمدى جمع فيه مؤلفه كتب الرسول وصحفه ورسائله التى بكتب الحديث والسيرة ٠
(٥) الحديث أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الزكاة، باب العرض فى الزكاة ٣/ ٣٦٥ رقم ١٤٤٨، وفى باب زكاة الغنم ٣/ ٣٧١ رقم ١٤٥٤ بتمامة، وفى غير هذين الموضعين ٠ وانظر: دراسات فى الحديث النبوى للدكتور محمد الأعظمى ١/ ٩٣.
(٦) أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب اللباس، باب لبس الحرير للرجال، وقدر ما يجوز منه ١٠/ ٢٩٥ رقم ٥٨٢٨.

<<  <   >  >>