وكانت طريقتهم في التدوين هي جمع أحاديث كل باب من أبواب العلم على حدة، ثم ضم هذه الأبواب بعضها إلى بعض في مصنف واحد، مع ذكر أقوال الصحابة والتابعين، ولذلك حملت المصنفات الأولى في هذا الزمن عناوين مثل (مصنف) و (موطأ) و (جامع).
ويعتبر هذا العصر هو عصر التصنيف وتدوين السنة على الأبواب، وبدايته من سنة ثلاث وأربعين ومائة، وكانت السنّة قبل ذلك يتلقاها العلماء حفظاً، أو في صحف غير مرتّبة.
يقول الذهبي رحمه الله: (في سنة ثلاث وأربعين- يعني ومائة- شرع علماء الإسلام في هذا العصر في تدوين الحديث والفقه والتفسير. فصنَّف ابن جريج بمكة، ومالك الموطأ بالمدينة، والأوزاعي بالشام، وابن أبي عروبة وحماد بن سلمة وغيرهما بالبصرة، ومعمر باليمن، وسفيان الثوري بالكوفة، وصنَّف ابن إسحاق المغازي، وصنف أبو حنيفة رحمه الله الفقه والرأي، ثم بعد يسير صنف هشيم، والليث، وابن لهيعة، ثم ابن المبارك، وأبو يوسف، وابن وهب، وكثُر تدوين العلم وتبويبه ودوِّنت كتب العربية، واللغة، والتاريخ، وأيام الناس. وقبل هذا العصر كان الأئمة يتكلمون من حفظهم، أو يَرْوُونَ العلم من صحف صحيحة غير مرتَّبة) (١).
وأن أوَّل من صنّف على الأبواب: عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج (ت ١٥٠ هـ) بمكة، والإمام مالك بن أنس (ت ١٧٩ هـ) أو محمد بن إسحاق بن يسار (ت ١٥١ هـ) بالمدينة والربيع بن صَبيح (ت ١٦٠ هـ) أو سعيد بن أبي عروبة (ت ١٥٦ هـ أو ١٥٧ هـ)، أو حماد بن سلمة (ت ١٦٧ هـ) بالبصرة، وسفيان الثوري (ت ١٦١ هـ) بالكوفة، وعبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي (ت ١٥٧ هـ) بالشام، وهشيم بن بشير الواسطي (ت ١٨٣ هـ) بواسط، ومعمر بن راشد (ت ١٥٣ هـ) باليمن، وجرير بن عبد الحميد (ت ١٨٨ هـ) بالرَّيّ، وعبد الله بن المبارك المَرْوَزي (ت ١٨١ هـ) بمَرْو وخراسان.
أما ابن جريج، فصنّف كتاب السنن، وكتاب الحج أو المناسك، وكتاب التفسير، وكتاب الجامع.
وأما الإمام مالك، فصنّف كتاب الموطّأ.
وأما محمد بن إسحاق، فصنّف كتاب المغازي.
وأما سعيد بن أبي عروبة، فله مصنّفات كثيرة، منها: تفسير القرآن، والسنن، والمناسك، والنكاح، والطلاق.
وأما الأوزاعي، فالّف كتباً عديدة، إلا أنها احترقت ولم يبق منها شيء سوى اقتباسات في بعض الكتب، فمن كتبه: كتاب السنن في الفقه، وكتاب المسائل في الفقه.
وأما هشيم بن بشير، فهو ممن كثرت عنايته بالآثار، وجمعه للأخبار، وحفظ، وصنَّف كتباً عديدة، منها: السنن في الفقه، والتفسير، والقراءات، والصلاة.
وأما معمر بن راشد، فصنّف كتاب المغازي، وكتاب التفسير، وكتاب الجامع.
وأما عبد الله بن المبارك، فصنّف كتباً عديدة، منها: المسند وكتاب الزهد، وكتاب الجهاد، وكتاب السنن في الفقه، وكتاب التفسير، وكتاب التاريخ، وكتاب البر والصلة.
وكان هؤلاء الأئمة في عصر واحد تقريباً، فلا ندري أيهم كان أسبق، وإن قال بعضهم: إن ابن جريج أول من صنف، إلا أن الأَوْلى أن يُقَيَّد كل منهم بمصره، فيقال: أول من صنف بالكوفة سفيان الثوري، وهكذا.
(١) انظر: تاريخ الخلفاء (ص ٤١٦ - ٤١٧).