(٢) سيأتي مزيد إيضاح للتحسين والتقبيح والتعليق على ذلك. انظر: ٢٠٩. (٣) يدل على ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم-: "رفع القلم عن ثلاثلا عن المجنون المغلوب على عقله، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم". أخرجه د. كتاب الحدود (ب. في المجنون يسرق أو يصيب حدا ٢/ ٢٢٧، ت. كتاب الحدود (ب. ما جاء فيمن لا يجب عليه الحد ٤/ ٣٢، جه. كتاب الطلاق (ب. طلاق المعتوه والصغير ١/ ٦٥٨، كلهم من حديث علي - رضي الله عنه -، وحسنه الترمذي، وأخرجه أبو داود وابن ماجه من حديث عائشة - رضي الله عنها- أيضا. (٤) قال القاضي عبد الجبار المعتزلي بعد أن ذكر أنواع الدلالة وهي: حجة العقل والكتاب والإجماع قال: "ومعرفة الله لا تنال إلا بحجة العقل فلأن ما عداها فرع على معرفة الله بتوحيده وعدله، فلو استدللنا بشيء منها على الله والحال هذه كنا مستدلين بفرع للشيء على أصله وذلك لا يجوز، ثم أخذ يفصل في بيان ذلك". انظر: الأصول الخمسة ص ٨٨ وما بعدها. وهذا في واقع الأمر تعطيل منهم للشرع ورد له وتقديم ما يرتضونه مما زعموا أنه قواعد عقلية يستدلون بها على إثبات وجود الله عزوجل كحلول الحوادث ودلالة الإمكان ونحوها التي جعلوا ما يلزم منها نافياً لما ثبت في الشرع كنفيهم أفعال الله لزعمهم أنها تدل على الحدوث، وكنفيهم للقدر لزعمهم أنه مخالف للعدل والحكمة. وهذه القواعد التي قعدوها يخالفهم فيها كثير من الناس من أصحابهم ومن غيرهم. وهذا يقدح في كونها دليلاً عقليا متفقا عليه يمكن أن ينظر إلى الشرع بمنظاره، ثم إنه إذا ثبت صدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في قوله إنه مرسل من قبل الله عزوجل سواء بطريق المعجزة أو الفطرة أو دلالة حاله وأحواله أو بما يلقي الله عزوجل في قلوب عباده من الإيمان به - صلى الله عليه وسلم- إذا ثبت هذا لم يبق للعقل مجال لمعارضة الشرع بأي حال من الأحوال، وليس له إلا التسليم والانقياد والخضوع، لأننا لما علمنا صدق المخبر علمنا صدق الخبر، وعلمنا أن الخبر موفق للحق والعدل والحكمة، إذ هو من قبل من هو موصوف بهذه الصفات، كما علمنا أن كل ما يقع في النفس من التوهمات التي تخالفه إنما هي من الشيطان أو فساد في النظر وخلل في الاستدلال. هذه هي القضية التي يجب على المعتزلة ومن تابعهم في أصلهم الفاسد بتقديم العقل اتباعها والخضوع لها لا أن يعكسوها لزعمهم أن العقل هو الذي دل على صدق الرسول - صلى الله عليه وسلم- فيجب أن يُحكَّم في كل الأمور الشرعية، فإن هذا باطل فلو وافقناهم على أن العقل وحده هو الذي دل على صدق الرسول - صلى الله عليه وسلم- لم يلزم من ذلك أن يعرض كل ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم- على العقل، إذ معنى هذا أن العقل هو المشرع وليس الله جل وعلا، بل الذي يلزم من دلالة العقل على صدق الرسول هو تسليم القيادة للرسول - صلى الله عليه وسلم- في كل صغيرة وكبيرة لأن الحق هو ما ثبت أنه نطق به لأنه صادق هذا ما يلزم من ناحية العقل. ولكن المعتزلة ومن تابعهم تمادوا في تقديم العقل وجعلوه حاكما عى الشرع وجلوا الشرع تابعاً لا مطبوعاً فأتوا بالطامات المخالفة لصريح القرآن والنسة فأولوا القرآن وصرفوا معانيه على حسب أهوائهم وردوا السنة المخالفة لما ظنوا أنه حقا على حسب عقولهم. مع أن العقل الصحيح لا يخالف النقل الصحيح بحال من الأحوال، وكيف يخالفه والشرع إنما هو من عند من خلق العقل، والله جل وعلا طلب من الإنسان أن يستخدم عقله في النظر في الدلائل المواصلة إليه جل وعلا والمعتزلة بأنه الإله الحق، فإذا أيقن الإنسان بأن الله هو الإله الحق وأن هذا الرسول مرسل من قبله لم يكن له إلا التسليم واذعان فإن أدرك بعقله أن ما قال الرسول موافق للحق فهذا خير وإن لم يدرك وجه الحق والحكمة في الأمر الشرعي وجب أن يتهم نظره، وعقله لا أن يؤول النصوص أو يردها. من أراد الاتسزادة في بيان فساد قول المعتزلة ومن تابعهم فليراجع (درء تعارض العقل والنقل) لشيخ الإسلام ١/ ٨٧/١٠٠. وبأوسع منه عند ابن القيم في الصواعق المرسلة) حيث استغرق بيان هذا الأمر المجلدان الثالث والرابع.