للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٥٢ - فصل

ومن الدليل لنا أن الله سبحانه أمر بما أمر لما يرد وقوعه: وهو (١) أن الله أمر نبيه إبراهيم بذبح ولده (٢) بدليل قوله إخباراً عن ولده إبراهيم لأبيه (٣): {افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ}؛ لأنه أمره به في المنام ثلاث ليال (٤)، ولم يرد منه الذبح، إذ لو أراد منه الذبح لوقع عندنا (٥) ولما نهاه عنه عند (٦) القدرية؛ لأنه لا يجوز أن ينهاه عن الحسن عندهم (٧).

فأجاب المخالف القدري عن ذلك وقال: لا يأمر الله إلا بما يريد وقوعه، وأما إبراهيم قد اختلف فيما أمر به.

فمنهم من قال: إنما أمره الله بمقدمات الذبح ولم يأمره بنفس الذبح، بل


(١) (وهو) ليست في - ح-.
(٢) الآيات الدالة على هذا قوله تعال في سورة الصفات: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} الآية ١٠١ - ١٠٧.
(٣) في الأصل (بأنه) وهي في - ح- كما أثبتها وهي الأصوب لاستقامة العبارة.
(٤) ذكر هذا القرطبي عن مقاتل. انظر: تفسير القرطبي ١٥/ ١٠١.
(٥) ذكر هذا القول القرطبي وابن كثير وانتصرا له واعتبرا أن الأمر كان الذبح، إلا أنه نسخ قبل الفعل وذكره ابن القيم واعتبره من باب النسخ قبل الفعل، وأن المراد بالأمر تحقق وهو امتحان إبراهيم الخليل عليه السلام في شدة حبه لله وتقديمه هذه المحبة على كل ما سواه، فلما تم الامتثال وعزم على الفعل نسخ الحكم حيث تم المراد منه، وقول المصنف هنا "إذ لو أراد الذبح لوقع" أي لوجب وقوعه لأنه لا يتم امتثال الأمر إلا به. انظر: تفسير القرطبي ١٥/ ١٠٢، مفتاح دار السعادة ٢/ ٩٣٢، فتح القدير ٤/ ٤٠٥.
(٦) في - ح- (وعند).
(٧) لأن القدرية يرون أن كل ما أمر به أراده وأن الإرادة متعلقة بالواجبات والمندوبات فقط. انظر: ص ٢٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>