للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١١٥ - فصل

لا خلاف بين العلماء أنه لا يجوز للإنسان أن يقول: "أنا مؤمن عند الله أو أنا مؤمن عند الله حقاً" لأنه لا يدري ما حكمه عند الله. وعلى هذا المعنى يحمل ما روي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قال: "من قال أنا مؤمن حقاً فهو كافر حقاً" (١).

وأما ما روي عن حارثة حين قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "كيف أصبحت يا حارثة فقال: أصبحت مؤمناً حقاً" فإنه يحمل على أنه أراد مؤمناً حقا عن نفسي، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن لكل حق حقيقة فما حقيقة إيمانك " قال: استوى عندي من الدنيا حجرها وذهبها" (٢). الخبر الذي مضى ذكره، ففسر إيمانه بما عنده من اليقين فأقره النبي صلى الله عليه وسلم.

ولا خلاف بين السلف أن الاستثناء في الإيمان على جهة الشك في التوحيد لا يجوز، لأن أقل ما يقبل من الإيمان ما لا يخالطه الشك (٣).


(١) أخرجه اللالكائي في السنة ٤/ ٩٧٤ عن نعيم بن أبي هند عنه وهو منقطع، فإن نعيماً لم يدرك عمر - رضي الله عنه. انظر: التهذيب ١٠/ ٤٦٨، كما أخرجه ابن بطة في الإبانة الكبير ٢/ ٨٦٩ من طريق قتادة عن عمر، إلا أنه منقطع أيضاً لأن قتادة لم يسمع من صحابي غير انس بن مالك - رضي الله عنه -، كما ذكر ذلك ابن حجر في التهذيب ٨/ ٣٥٥.
(٢) تقدم تخريجه - ص ٧٦٨.
(٣) الاستثناء في الإيمان فيه ثلاثة أقوال:
القول الأول: جواز الاستثناء في الإيمان، وهو قول كثير من السلف وسيفصل المصنف قولهم.
القول الثاني: وجوب الاستثناء في الإيمان، وتعليل من قال بهذا هو أن الإيمان المعتبر عندهم ما يموت عليه صاحبه، والإنسان لا يعلم هل يموت مؤمناً أم كافراً، فعلى هذا قالوا بوجوب الاستثناء بلنسبة للمستقبل، فاستثناؤهم على الشك في الثبات على الإيمان إلى الموت، وطمعاً في أن يوفقوا للثبات عليه إلى الممات. وسيأتي بيان القائلين به عند كلام المصنف على المعنى الرابع من معاني الاستثناء.
القول الثالث: قول من يحرمه وينكره، ويقول: " من استثنى فقد شك والشك كفر" وهؤلاء يزعمون أن الإيمان شيء واحد يعلم الإنسان من نفسه الإتيان به وهو التصديق عندهم، كما يعلم أنه متكلم بالشهادتين أو أنه قرأ الفاتحة.
وقال بهذا الجمهية وطوائف من المرجئة، ونسب البغدادي في أصول الدين إنكار الاستثناء إلى أبي عبد الله بن مجاهد وأبي بكر الباقلاني وأبي إسحاق الإسفرائيني، ونسب ملا القاري في شرح الفقه الأكبر تحريمه بل تكفير قائله إلى صاحب التمهيد والكفاية من الحنفية.
وهؤلاء هم الذين عناهم السلف في بيان مأخذ الاستثناء، وأنه ليس على الشك. انظر: شعب الإيمان للحيلمي ١/ ١٢٧، أصول الدين للبغدادي ص ٢٥٣، الفضل في الملل والنحل لابن حزم ٤/ ٢٢٨، المعتمد في أصول الدين ص ١٩٠، شرح الفقه الأكبر ص ١١٧، الفتاوى لشيخ الإسلام ٧/ ٢٥٣ - ٢٥٦ - ٤٢٩ - ٤٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>