للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٥ - فصل

ذكرت في الرسالة أن الذم الوارد عن النبي - صلى الله عليه وسلم- للقدرية إنما يلزم الذين يثبتون القدرة لأنفسهم على أفعالهم وينفونها عن الله.

فأجاب هذا المخالف عن ذلك بجواب مشوب بالأذية يكرم لسان الكريم عن إعادته لقلة ثمرته وفائدته، وعمدته فيه أن قال: هذا يدل على جهل المستدل بألسنة العربية بأن القدري منسوب إلى القدرة، لو كان كما زعم لقال النبي - صلى الله عليه وسلم-: (القُدْرية) بضم القاف وسكون الدال، فلما لم يقل ذلك وإنما قال: "القدرية" بفتح القاف والدال على أنه نسبة إلى القدر وذلك أليق بقول من يقول كل شيء بقضاء وقدر.

والجواب أن نقول: هذا التجهيل منقلب على هذا المخالف، فإنه لا علم عنده بالمصادر الصادرة عن الأفعال والصادر عنها الأفعال على حسب اختلاف النحاة بذلك، وأنه لا علم عنده بتوارد القدر والقدرة على معنى واحد واختلافهما وجواز النسبة إليهما، لكني أبين الفائدة بذلك لمن له دربة وفهم في العربية مما وضعه علماء العربية، وذلك أن أهل العلم اختلفوا في المصدر لم سمي مصدراً.

فقال بعضهم: بل سمي بذلك لأن الفعل صدر منه.

وقال بعضهم: بل سمي بذلك لأنه صدر عن الفعل (١).

وأدلى كل قائل بحجة لا معنى للإطالة بذكر ذلك هاهنا، والفعل الماضي في مسألتنا هو قولهم قدر بتخفيف الدال، وفي المستقبل يقدر بكسر الدال وبضمها لغتان (٢)، فالدليل الماضي قول الله سبحانه: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ


(١) ذكر هذين القولين ابن عقيل ورجح القول الأول فيهما ونسبه إلى جمهور البصريين ونسب القول الثاني إلى الكوفيين. انظر: المساعد على تسهيل الفوائد ١/ ٤٦٤، اللسان ٤/ ٢٤١٣.
(٢) انظر: اللسان ٥/ ٣٥٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>